قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ ؛ قد تقدَّمَ تفسيرهُ في البقرةِ. قال أهلُ العلمِ : القرضُ الحسَنُ أنْ يكون من الحلالِ ؛ لأنَّ اللهَ طِّيبٌ لا يقبلُ إلاّ طيِّباً، وأنْ يكون من أحسَنِ ما يملكهُ دون أن يقصِدَ الرديءَ لقولهِ تعالى :﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾[البقرة : ٢٦٧]، وأن يتصدَّقَ وهو لِحُب المالِ ويرجُو الحياةَ ؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ سُئل عن أفضلِ الصَّدقات فقالَ :" أنْ تَتَصَدَّقَ وَأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمَلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ : لِفُلاَنٍ كَذا وَلِفُلاَنٍ كَذا، وَأنْ تَضَعَ الصَّدَقَةَ فِي الأَحْوَجِ الأَوْلَى " وأنْ يكتُمَ الصدقَةَ ما أمكنَ لقولهِ﴿ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾[البقرة : ٢٧١]، وإن لا يتبعَ الصدقةَ المنَّ والأذى لقوله تعالى﴿ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى ﴾[البقرة : ٢٦٤]، وأن يقصِدَ بها وجهَ اللهِ ولا يُرائِي بها، وأن يستحقرَ ما يُعطي وإنْ كَثُرَ ؛ لأن الدُّنيا كلها قليلةٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾[النساء : ٧٧] وأن يكون مِن أحب مالهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾[آل عمران : ٩٢] وهذه تسعةُ أوصافٍ إذا استكمَلَتها الصدقةُ كانت قَرْضاً حَسناً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ فيه قراءَتان : مَن قرأ بالرفعِ فعلى العطفِ على ﴿ يُقْرِضُ ﴾ أو على الاستئنافِ على معنى فهو يضاعفُهُ، ومَن قرأ بنصب الفاء فعلى جواب الاستفهامِ بالفاء، وقولهُ تعالى :﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ الأجرُ الكريم الذي يقعُ به النفعُ العظيم وهو الجنَّة.