قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ ؛ معناهُ : أمَا حانَ للمؤمنين الذين تكَلَّموا بكلمةِ الإيمان إذا سَمِعُوا القرآنَ أنْ تخشعَ قلوبُهم لذكرِ الله وتَلِينُ وتَرِقُّ، قال ابنُ مسعود :(مَا كَانَ بَيْنَ إسْلاَمِنَا وَبَيْنَ أنْ عَاتَبَنَا اللهُ بهَذِهِ إلاَّ أرْبَعَ سِنِينَ). والمعنى : يجبُ أن يُورثَهم الذكرُ خُشوعاً ولا يكونوا كمَنْ يَذكُره بالغَفلَةِ، ولا يخشعُ للذِّكر قلبهُ. وقوله ﴿ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ يعني القرآنَ، قرأ نافع وعاصم مخفَّفاً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ ﴾ ؛ وهم اليهودُ والنصارى، وموضعُ ﴿ وَلاَ يَكُونُواْ ﴾ النصبَ عطفاً على قولهِ تعالى ﴿ أَن تَخْشَعَ ﴾ و ﴿ وَلاَ يَكُونُواْ ﴾، قال الأخفشُ :(وَإنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ نَهْياً) وهذه زيادةٌ في وعظِ المؤمنين، معناهُ : ولا يَكُونوا في قَسَاوَةِ القلوب كالذين أُعطُوا التوراةَ والإنجيلَ من قبلِ المؤمنين، ﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ ﴾ ؛ الزمانُ بينهم وبين أنبيائهم، ﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ ؛ قال ابنُ عباس :(مَالُوا إلَى الدُّنْيَا وَأعْرَضُواْ عَنْ مَوَاعِظِ اللهِ، فَلَمْ تَلِنْ قُلُوبُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى). وقوله تعالى :﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ أي خارجون عن طاعةِ الله، وإنَّما قالَ ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ لأنه كان منهم مَن أسلمَ.