قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾ ؛ أي فمَن لم يجدْ مِن المظاهرِين الرقبةَ ولا قِيمَتها، فعليه أنْ يصُومَ شَهرَين متتابعين قبلَ الْمَسيسِ. وهذا يقتضِي أنه إذا أفطرَ فيهما لِمَرضٍ أو غيرهِ كان عليه استقبالُ الصَّوم أيضاً، وكذا إذا قدرَ على الرقبةِ في خلال الصَّوم فلم يُعتِقها حتى عجزَ عنها كان عليه الاستقبالُ أيضاً في قولِ أبي حنيفةَ ومحمَّد، سواءٌ كان المسيسُ بالليلِ أو بالنهار. وقال أبو يوسف. (إذا مَسَّهَا باللَّيْلِ عَامِداً أوْ بالنَّهَار نَاسِياً لَمْ يَسْتَقْبلْ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ﴾ ؛ إذا عجزَ عن الصَّومِ لكِبَرٍ أو مرضٍ فكفَّارتهُ أن يُطعِمَ ستِّين مِسكيناً، وإنْ مسَّها المظاهرُ بعدَ ما أطعمَ بعضَ الطعامِ لم يستقبلِ الإطعامَ ؛ لأنه ليس في ذكرِ الإطعامِ في هذه الآية مِن قَبْلِ أن يتمَاسَّا، إلاَّ أنَّا إنما أمَرنَاهُ بالإطعامِ قبلَ المسيسِ ؛ لأنَّا لو لم نَأمُرْهُ بذلكِ لم يُؤمَنْ أن يَمسَّها فقَدِرَ على العتقِ قبل الإطعامِ أو يقدرَ على الصَّوم قبل الإطعامِ فيحصلُ أو الصومُ بعدَ المسيسِ، وذلك خلافُ ما أوجبَهُ اللهُ تعالى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ ؛ أي ذلك الذي أمرَكم اللهُ به لتَسَتدِيْمُوا الإيمانَ بالله ورسولهِ، وتُصدِّقوا أنَّ الله أمرَ بذلك. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾، أي التي شرَّعَها اللهُ تعالى في الظِّهار أحكامُ اللهِ وفرائضهُ، ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ؛ وللجاحِدين لحدودِ الله عذابُ جهنم.
" فلمَّا نزَلت هذه الآيةُ قَالَ النَّبيُّ ﷺ لأَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ :" هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً ؟ " قَالَ : فَإنِّي قَلِيلُ الْمَالِ، قَالَ :" فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ ؟ " قَالَ : وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي إذا لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كَلَّ بَصَرِي وَخَشِيتُ أنْ تَعْشُو عَيْنِي، قَالَ :" فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً ؟ " قَالَ : لاَ وَاللهِ إلاَّ أنْ تُعِينَنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ ﷺ :" إنِّي مُعِينُكَ بخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً وَأدْعُو لَكَ بالْبَرَكَةِ " فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ".
ورُوي :" أنَّ خَوْلَةَ لَمَّا ظَاهَرَ مِنْهَا أوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، خَرَجَ فَجَلَسَ فِي قَوْمِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَقَالَتْ : كَلاَّ ؛ وَالَّذِي نَفْسُ خَوْلَةَ بيَدِهِ لاَ تَصِلُ إلَيَّ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ فِيَّ وَفِيكَ. ثُمَّ مَضَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَشَكَتْ عَلَيْهِ قِصَّتَهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَاتِ.
فَقَالَ ﷺ :" مُرِيهِ أنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً " فَقَالَتْ : وَاللهِ مَا عِنْدَهُ ذلِكَ، قَالَ :" مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابعَيْنِ " قَالَتْ : يَا نَبيَّ اللهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبيرٌ مَا بهِ مِنْ صَوْمٍ، قَالَ :" مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً " قَالَتْ : وَاللهِ مَا يَجِدُ مَا يُطْعِمُ، قَالَ :" إنَّا سَنُعِينُهُ بعِرْقٍ مِنْ تَمْرٍ " - وهو مكتل سبعٍ وثلاثين صَاعاً - قَالَتْ : أنَا أُعِينُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بعِرْقٍ آخَرَ ".