قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾ ؛ وذلك أنَّ الأغنياءَ كانوا يَسْتَخْلُونَ بالنبيِّ ﷺ فيُشاورُونَهُ بما يريدون ويُلِحُّونَ عليه بالحاجاتِ والمسائل، ويشغَلُون بذلك أوقاتَهُ التي كانت مستغرقةً بالعبادةِ والإبلاغِ إلى الأُمة، وكان الفقراءُ لا يتمكَّنون من النبيِّ ﷺ كتمكُّنِ الأغنياءِ منه.
فأَمرَ اللهُ الناسَ بتقديمِ الصَّدقةِ على نجوَاهُم مع النبيِّ ﷺ إعْظَاماً له وتَوقِيراً لمقامِ مُناجاتهِ، ونَفعاً للفُقراءِ بتلك الصَّدقة، وبيَّن أنَّ ذلك خيرٌ لهم من الكفِّ عن الصدقةِ وأصلحُ لقُلوبهم وقلوب الفقراء، ورخَّصَ مَن لم يجد ما يتصدَّقُ به أن يُكلِّمَ النبيَّ ﷺ بما شاءَ من غيرِ صدقةٍ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
فلمَّا عَلِمَ اللهُ ضيقَ صدر كثيرٍ منهم من ذلك الوجوب نَسَخَ اللهُ ذلك الحكمَ بقوله :﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ﴾ ؛ معناهُ : أبَخِلتُمْ يا أهلَ الميسرةِ، وثَقُلَ عليكم تقديمُ الصَّدقةِ، بين نجوَاكم مع النبيِّ ﷺ، ﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ ؛ وخفَّفَ اللهُ عنكم بإسقاطِ تلك الصَّدقةِ، ﴿ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ أي دَاومُوا عليها، يعني الصَّلاةَ المفروضةَ، ﴿ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ ؛ المفروضةَ، ﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ ﴾ ؛ في الفرائضِ، ﴿ وَرَسُولَهُ ﴾ ؛ في السُّنن، ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ من الخيرِ والشرِّ.
وعن عليٍّ رضي الله عنه قال :(إنَّ فِي كِتَاب اللهِ آيَةٌ مَا عَمِلَ بهَا أحَدٌ قَبْلِي، وَلاَ يَعْمَلُ بهَا أحَدٌ بَعْدِي وَهِيَ آيَةُ النَّجْوَى، كَانَ لِي مِثْقَالٌ فَبعْتُهُ بعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، فَكُلَّمَا أرَدْتُ أنْ أُنَاجِيَ رَسُولَ اللهِ قَدَّمْتُ دِرْهَماً، فَقَدَّمْتُ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ بَيْنَ يَدَي نَجْوَايَ، ثُمَّ نُسِخَتْ). قال مجاهدُ :(نُهُوا عَنْ مُنَاجَاةِ النَّبيِّ ﷺ حَتَّى يَتَصَدَّقُواْ، فَلَمْ يُنَاجِهِ إلاَّ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، قَدَّمَ دِينَاراً فَتَصَدَّقَ بهِ، فَنَزَلَتِ الرُّخْصَةُ).