قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ ؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمَّا نَزَلَ ببَنِي النَّضِير وَتَحَصَّنُوا فِي حُصُونِهِمْ، أمَرَ بقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَإحْرَاقِهَا، فَقَالَتِ الْيَهُودُ : مَا بُعِثَ نَبيٌّ إلاَّ بالصَّلاحِ، وَلَيْسَ فِي هَذا إلاَّ إفْسَادُ الْمَعِيشَةِ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ، وَقَالُواْ : يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ تُرِيدُ الصَّلاَحَ، أفَمِنَ الصَّلاحِ قَطْعُ النَّخِيلِ وَالأَشْجَار ؟ وَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا زَعَمْتَ أنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ.
فَشُقَّ ذلِكَ عَلَى النَّبيِّ ﷺ وَوَجَدَ الْمُسْلِمُونَ فِي أنْفُسِهِمْ مِنْ ذلِكَ مَشَقَّةً، وَكَانَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يُمْعِنُونَ فِي قَطْعِ النَّخْلِ، وَبَعْضُهُمْ يَنْهَى عَنْ ذلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ تَصْدِيْقاً لِلَّذِينَ نَهَوا عَنْ قَطْعِ النَّخِيلِ وَتَحْلِيْلاً لِمَنْ قَطَعَهُ، وَبَرَاءَةً لَهُمْ مِنَ الإثمِ وَتَصْوِيْباً لِلْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ تَعَالَى :﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ بيَّن أنَّ ما قُطِعَ منها قُطِعَ بإذنِ الله، وما تُرِكَ منها بإذنِ الله.
واللِّينَةُ هي النَّخلَةُ، قال ابنُ عبَّاس وقتادةُ :(اللِّينَةُ هِيَ كُلُّ نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً)، وَقِيْلَ : اللِّينَةُ : مَا خَلاَ العجوةَ والبرني وجمعه لِيَانٌ، ورُوي :" أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ يَقْطَعُ نَخِيلَهُمْ إلاَّ الْعَجْوَةَ " قال عكرمةُ :(وَالنَّخْلُ كُلُّهُ لِيَانٌ مَا خَلاَ الْعَجْوَةَ)، وقال سفيانُ :(اللَّينَةُ هِيَ كِرَامُ النَّخْلِ). وقال مقاتلُ :(هُوَ ضَرْبٌ مِنَ النَّخْلِ ثَمَرُهَا شَدِيدُ الصُّفْرَةِ يَغِيبُ فِيْهِ الضِّرْسُ عِنْدَ أكْلِهِ، وَكَانَ مِنْ أجْوَدِ ثَمَرِهِمْ وَأعْجَبهِ إلَيْهِمْ)، والعربُ تُسمِّي النخلَ كُله لِيَانٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ ؛ معناهُ : ولِيُهِينَ اللهُ ويُذِلَّ اليهودَ ويُخْزِيَهُمْ بأن يُرِيَهم أموالَهم يتحكَّمُ فيها المؤمنون كيف أحَبُّوا لأنَّهم نقَضُوا العهدَ.