قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ﴾ ؛ معناهُ : وما ردَّ اللهُ على رسولهِ من غنائمِ بني النضيرِ، فمِمَّا لم تُوجِفُوا عليه أنتم خيلاً ولا ركَاباً ولكن مَشَيتُم إليه مَشياً ؛ لأن ذلك كان قَريباً من المدينةِ ؛ أي لم يحصُلْ ذلك بقتَالِكم، فلا شيءَ لكم مِن ذلك، ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ؛ إنما كان ذلك بتسليطِ الله تعالى نَبيَّهُ ﷺ، واللهُ يُمَكِّنُ رُسُلَهُ صلواتُ الله عليهم من أعدائهِ بغيرِ قتالٍ، واللهُ على كلِّ شيءٍ من النَّصرِ والغنيمةِ قادرٌ.
والضميرُ في قوله ﴿ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي على ما أفاءَ اللهُ، والإيجافُ الإسراعُ والإزعاجُ للسَّير، يقالُ : أوجفَ السَّيرَ، وأوْجَفْتُهُ أنَا، والوَجِيفُ : نوعٌ من السَّيرِ فوق التَّقريب، ويقال : وَجَفَ الفرسُ والبعير يَجِفُ وَجْفاً إذا أسرعَ السَّيرَ، وأوْجَفَهُ صاحبهُ إذا حملَهُ على السَّير السريعِ.
ومعنى الآية :﴿ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ من مالِ بني النَّضيرِ ﴿ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي فما وضَعتُم عليه من خيلٍ ولا إبل ولم تنَالُوا فيه مشقَّةً ولم تلقَوا حَرباً وإنما مَشَيتُم إليه مَشْياً، إلاَّ النبيّ ﷺ فإنه رَكِبَ جَملاً فافتَتَحها النبيُّ ﷺ وأجْلاَهُم وأخذ أموالَهم.
فسألَ المسملون النبيَّ ﷺ في القِسْمَةِ في تلك الأموالِ، فأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ، فجعلَ أموالَ بني النضير خاصَّة لرسولِ اللهِ يضعُها حيث يشاء، فقسَمَها رسولُ الله ﷺ بين المهاجرِين ولم يُعْطِ الأنصارَ منها شيئاً، إلاَّ ثَلاثةَ نفرٍ كانت لهم حاجةٌ، وهم : أبُو دُجَانَةَ ؛ وسَهلُ بن حنيف ؛ والحارثُ بن الصِّمَّةِ.
وعن عمرَ رضي الله عنه :(أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكِرَاعِ وَالسِّلاَحِ عُدَّةً فِي سَبيلِ الله ؛ لأَنَّهُ مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَلَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ بخَيْلٍ وَلاَ ركَابٍ، فَكَانَ خَالِصاً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
وأرادَ بهذا ما كان يحصلُ من غُلَّةِ أراضِيهم في كلِّ سنةٍ. وفي هذه الآيةِ دلالةٌ على أنَّ كلَّ مالٍ من أموالِ أهلِ الشِّرك لم يغلِبْ عليه المسلمون عُنوَةً وإنما أُخِذ صُلْحاً أنْ يُوضَعَ في بيتِ مالِ المسلمين ويُصرَفَ إلى الوجُوهِ التي تُصرَفُ فيها الجزيةُ والْخَرَاجُ ؛ لأن ذلك بمنْزِلَة أموالِ بني النضيرِ.


الصفحة التالية
Icon