قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ﴾ ؛ معناهُ : لقد كان لكم في إبراهيمَ والَّذين معَهُ قدوةٌ صالحة فيما يرجعُ إلى رجاءِ ثواب الله وحُسنِ الْمُنْقَلَب في اليومِ الآخرِ.
وهذا يقتضي وجوبَ الاقتداء بهم في أفعالِهم، وأما الأُولى فنُهوا الاقتداءَ بهم في باب العداوة للهِ في أمر الدين. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ ﴾ بدلٌ من قولهِ ﴿ لَكُمْ فِيهِمْ ﴾ وهذا كقولهِ تعالى﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾[آل عمران : ٩٧]. ومعنى ﴿ يَرْجُو اللَّهَ ﴾ أي يخافُ اللهَ ويخافُ الآخرةَ، ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ ؛ أي مَن يُعرِضُ عن الإيمانِ ويُوالِي الكفارَ فإنَّ اللهَ هو الغنيُّ عن خلقهِ، الحميدُ إلى أوليائهِ وأهلِ طاعته.
قال مقاتلُ :(فَلَمَّا أمَرَ اللهُ الْمُسْلِمِينَ بعَدَاوَةِ الْكُفَّار أظْهَرُواْ لَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَرَاءَةَ امْتِثَالاً لأَمْرِ اللهِ تَعَالَى) فأنزلَ اللهُ :﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم ﴾ ؛ أي كونوا على رجاءٍ وطمعٍ في أن يجعلَ اللهُ بينكم وبين الذين عادَيتم من المشركين، ﴿ مَّوَدَّةً ﴾ ؛ يعني من كفار مكَّة.
ففعلَ اللهُ ذلكَ بأن أسلمَ كثيرٌ منه بعدَ الفتحِ، منهم أبو سُفيان بن حربٍ ؛ وأبو سُفيان بن الحارث ؛ والحارثُ بنُ هشام ؛ وسُهيل بن عمرٍو ؛ وحَكمُ بن حِزام، وكانوا مِن رُؤساء الكفَّار والمعادِين لأهلِ الإسلامِ، فصارُوا لهم أولياءً وإخوَاناً، فخَالَطُوهم وناكَحُوهم، وتزوَّجَ رسولُ الله ﷺ أُمَّ حبيبةَ بنتِ أبي سُفيان بن حرب، فَلانَ لهم أبو سفيان، فهذه المودَّةُ التي جعلَها اللهُ تعالى بينَهم، ﴿ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ﴾ ؛ على أن يجعلَ بينكم المودَّة، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ؛ بهم بعد ما تَابُوا وأسلَمُوا.


الصفحة التالية
Icon