قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ ؛ " وذلك أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ، جَلَسَ عِنْدَ الصَّفَا وَإلى جَنْبهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَالنِّسَاءُ يَأْتِينَ يُبَايعْنَهُ ﷺ وَفِيهِنَّ هِنْدٌ بنْتُ عُتْبَةَ مُتَنَكِّرَةٌ مَعَ النِّسَاءِ خَوْفاً أنْ يَعْرِفَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ :ﷺ :" أبَايعْكُنَّ عَلَى أنْ لاَ تُشْرِكْنَ باللهِ شَيْئاً " فَقَالَتْ هِنْدٌ : أشْرَكْنَا وَعَبَدْنَا الآلِهَةَ فَمَا أغْنَتْ عَنَّا شَيْئاً.
فَقَالَ ﷺ :" وَلاَ تَسْرِقْنَ " فَقَالَتْ هِنْدٌ : إنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ مُمْسِكٌ، وَإنِّي أُصِيبُ مِنْ مَالِهِ لِغِنَاهُ، وَلاَ أدْري أيَحِلُّ لِي أمْ لاَ ؟ فَقَالَ أبُو سُفْيَان : مَا أصَبْتِ مِنْ شَيْءٍ فِيمَا مَضَى أوْ قَدْ بَقِيَ فَهُوَ لَكِ حَلاَلٌ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَعَرَفَهَا وَقَالَ :" إنَّكِ لَهِنْدُ بنْتُ عُتْبَةَ ؟ " قَالَتْ : فَاعْفُ عَمَّا سَلَفَ يَا نَبيَّ اللهِ عَفَا اللهُ عَنْكَ.
فَقَالَ :" وَلاَ تَزْنِينَ " قَالَتْ : وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ ؟ فَضَحِكَ عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ : لاَ لَعَمْرِي مَا تَزْنِي الْحُرَّةُ، فَقَالَ :" وَلاَ تَقْتُلْنَ أوْلاَدَكُنَّ " فَقَالَتْ هِنْدُ : زَيَّنَّاهُمْ صِغَاراً وَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَاراً، وَكَانَ ابْنُهَا حَنْظَلَةُ بْنُ أبي سُفْيَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَضَحِكَ عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ، وَتَبَسَّمَ النَّبيُّ ﷺ ".
ومعنى الآية :﴿ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ أي لا يدفِنَّ بناتِهنَّ أحياءً كما كان العربُ يفعلونَهُ، فقال تعالى :﴿ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾ ؛ أي لا تُلحِقُ بزوجِها وَلداً ليس منه، وذلك أنَّ المرأةَ كانت تلتقطُ لَقيطاً فتضعهُ بين يدَيها ورجلَيها وتقولُ لزوجِها : ولدتُ هذا الولدَ، فذاكَ البهتانُ والافتراءُ. ويقالُ : أرادَ بين الأيدِي أن يوضَعَ بين يدَيها ولدُ غيرها وبين أيدِيهنَّ أن يأتِين بولدٍ حرام، وهذا كنايةٌ عن الفرجِ، فلما قالَ عليه السلام، قَالَتْ هِنْدٌ : وَاللهِ إنَّ الْبُهْتَانَ لَقَبيحٌ وَمَا تَأْمُرُنَا إلاَّ بالرُّشْدِ وَمَكَارمِ الأَخْلاَقِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ ؛ أي وجميعُ ما تأمرُهنَّ وتنهاهُنَّ من النَّوحِ وشقِّ الجيوب وخَمْشِ الوُجوهِ ورنَّةِ الشيطانِ وغيرِ ذلك من أصواتِ المعصية ومن صوتِ اللَّعب واللهوِ والمزاميرِ وغير ذلك. والمعروفُ : كلُّ ما كان طاعةً، والمنكَرُ : كلُّ ما كان معصيةً، فلما قالَ ﷺ :" وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ " قَالَتْ هِنْدُ : وَمَا جَلَسْنَا مَجْلِسَنَا هَذا وَفِي أنْفُسِنَا أنْ نَعْصِيَكَ فِي شَيْءٍ، فَأَقَرَّتِ النِّسْوَةُ بمَا أخَذ عَلَيْهِنَّ.
وقولهُ تعالى :﴿ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ؛ معناهُ : إذا بايعنَكَ على هذهِ الشُّروط فبايعهُن، فقال ﷺ :" قَدْ بَايَعْتُكُنَّ " كلاماً كلَّمَهن به من غيرِ أن مسَّتْ يدهُ يدَ امرأةٍ، وكان على يدِ عُمر رضي الله عنه ثوبٌ يصافحُ به النساءَ.