قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ ﴾ ؛ أي كُونوا أنصارَ دينِ الله على أعدائهِ بالسَّيف ودومُوا على ذلكَ، كما نصرَ الحواريُّون عيسى عليه السلام.
وقرئَ (أنْصَارَ اللهِ) من غير تنوينٍ. والأنصارُ : جمعُ نَاصِرٍ، كصاحبٍ وأصحابٍ، والحواريُّون : خُلَصَاءُ الأنبياءِ الذين نُقُّوا من كلِّ عيبٍ، ومنه الدَّقيقُ الحواريُّ وهو الْمُنَقَّى.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾ أي معَ اللهِ كما في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ﴾[النساء : ٢].
وقولهُ تعالى :﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ ؛ أي صدَّقت جماعةٌ منهم بعيسى، ﴿ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ ﴾ ؛ وذلك أنه لَمَّا رُفِعَ عيسى عليه السلام تفرَّقَ قومهُ ثلاثَ فرقٍ :
فرقةٌ قالوا كان اللهَ فارتفعَ، وفرقةٌ قالوا كان ابنَ اللهِ فرفعَهُ اللهُ، وفرقةٌ قالوا : كان عبدَ اللهِ ورسولَهُ فرفعَهُ الله إليه وهم المؤمنون. فاتَّبعَ كلَّ فريق منهم طائفةٌ من الناسِ، فاقتَتَلوا فظهرَ الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ فظهرت الفرقةُ المؤمنة على الكافرةِ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ ﴾ ؛ أي غالِبين، والمعنى : فاصبحت حُجَّةُ مَن آمنَ بعيسى ظاهرةً بتصديقِ مُحَمَّدٍ ﷺ أنَّ عيسى عبدُ اللهِ، وكلمتهُ وروحَهُ والتأييد.
وعن الحسنِ قال :(سَأَلْتُ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ وَأبَا هُرَيْرَةَ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾، فَقَالَ أبُو هُرَيْرَة :" سَأَلْتُ عَنْ ذلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ :" قَصْرٌ مِنْ لُؤلُؤَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فِي ذلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ دَاراً مِنْ يَاقُوتٍ أحْمَرَ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتاً مِنْ زُمُرُّدٍ أخْضَر، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيراً وَسَبْعُون فِرَاشاً، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ امْرَأةٌ مِنَ الْحُور الْعِين، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْناً مِنْ طَعَامٍ، يُعْطِي اللهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذلِكَ كُلِّهِ " ".


الصفحة التالية
Icon