قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ ؛ وذلك أنَّ الرجُلَ كان لا يستطيعُ أن يهاجرَ مع أزواجهِ وأولاده، وكان إذا أرادَ أن يُهاجر بنفسهِ تعلَّقت به امرأتهُ وأولاده وقالوا له : إلى مَن تدَعُنا ؟ نُنشِدُكَ اللهَ أن تجلِسَ وتدعَ الهجرةَ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ بالمدينةِ، ينهَاهُم عن ذلك ويحذِّرُهم طاعةَ الأزواجِ والأولادِ في معصية الله، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ ﴾.
ودخول (مِنْ) هنا يدلُّ على أنه ليس جميعُ الأزواجِ والأولاد عدُوّاً، وإنما منهم من يحبُّ هلاكَكُم ليرثَ مالَكم، وأيُّ عدُوٍّ أعدَى ممن يحبُّ موتَكَ لمنفعةِ نفسه، ومنهم من يحملُوكم على أنْ تَعصُوا اللهَ بأخذِ غيرِ الواجب، ويمنعُ الواجبَ لمنفعةٍ ترجعُ إليهم، ومعنى قولهِ تعالى ﴿ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ أي فاحذرُوا أن تُطِيعُوهم وتدَعُوا الهجرةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وذلك أنَّ الرجُلَ كان إذا أرادَ الجهادَ والهجرة عرضَ على امرأتهِ وقَرائِبه إذا أبَوا عليه أقسَمَ أنْ لا يُنفِقَ عليهم، فإذا عادَ كفَّ عن النفقةِ ليَمِينهِ، فقيل لَهم :﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ ﴾ أي وإنْ تَعفُوا عنهم وتُجاوزُوا عن صَدِّهم إياكم، وتَغفِرُوا ذُنوبَهم بعدَ ما رجَعتُم وبعدَ ما اجتَمَعتُم في دار الهجرة، ولم تُكافِؤُوهم عن سوءِ ما فَعلوهُ، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يغفرُ لَكم كذلكَ كثيراً من ذُنوبكم.
وَقِيْلَ : معنى الآية : إنَّ الرجل من هؤلاءِ إذا رأى الناسَ قد سبَقوهُ إلى الهجرةِ وتفَقَّهوا في الدِّين همَّ أن يُعاقِبَ زوجتَهُ وأولادَهُ الذين يُبطِئونَهُ عن الهجرةِ، وإنْ لَحِقُوا به في الهجرةِ لم يُنفِقْ عليهم، فأنزلَ اللهُ تعالى ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.