قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً ﴾ ؛ يعني إسرارَهُ إلى حفصةَ، فلمَّا أخبرت عائشةَ به أطلَعَ اللهُ نَبيَّهُ عليه السلام على ذلك. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ﴾ ؛ " وذلك أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ عِنْدَمَا رَأى الْكَآبَةَ فِي وَجْهِِهَا وَالْغَيْرَةَ أسَرَّ إلَيْهَا شَيْئَيْنِ : تََحْرِيمُ الْجَاريَةِ، وَقَالَ :" أُخْبرُكِ يَا حَفْصَةُ أنَّ أبَاكِ وَأبَا بَكْرٍ سَيَمْلِكَانِ أُمَّتِي بَعْدِي " فلمَّا أظهرَهُ اللهُ عليه أخبرَ حفصةَ بما قالت لعائشةَ من تحريمِ الجاريةِ، وأعرضَ عن ذكرِ خلافة أبي بكرٍ وعمرَ ".
وقرأ الحسنُ البصري والكسائي وقتادة (عَرَفَ بَعْضَهُ) بالتخفيفِ أي غَضِبَ على حفصةَ مِن ذلك وجَارَاها فطلَّقَها، من قولِ القائل لِمَن أساءَ إليه : لأَعْرِفَنَّ لكَ ما فعلتَ ؛ أي لأُجازينَّكَ عليه، فجَازَاها رسولُ اللهَ ﷺ بأنْ طلَّقَها، فلما عَلِمَ عمرَُ رضي الله عنه بذلك قالَ : لَوْ كَانَ فِي آلِ الْخَطَّاب خَيْرٌ لَمَا طَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وَنَزَلَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبيِّ ﷺ يَقُولُ لَهُ : رَاجِعْهَا فَإنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ إحْدَى نِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ، فَرَاجَعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال مقاتلُ :(لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَفْصَةَ، وَإنَّمَا هَمَّ بهِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَالَ لَهُ : لاَ تُطَلِّقْهَا فَإنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَهِيَ مِنْ نِسَائِكَ فِي الْجَنَةِ، فَلَمْ يُطَلِّقْهَا)، وكان سفيانُ الثوريُّ يقول :(مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطٌّ، وَمَا زَالَ التَّغَافُلُ مَنْ فِعْلِ الْكِرَامِ، عَرَّفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَفْصَةَ بَعْضَ مَا فَعَلَتْ، وَأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ﴾ ؛ أي لَمَّا أخبرَ حفصةَ بما أظهرَهُ اللهُ عليه، ﴿ قَالَتْ ﴾ ؛ لَهُ :﴿ مَنْ أَنبَأَكَ هَـاذَا ﴾ ؛ أي من أخبَركَ أنِّي أفشيتُ سِرَّكَ ؟ ﴿ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾.