قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ أي قَابلين ما أعطَاهُم ربُّهم من كرامةٍ في الجنَّة. وَقِيْلَ : معناهُ : عَامِلين بما أمَرَهم ربُّهم في الدُّنيا، وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾ ؛ في الدُّنيا في أعمالِهم، وقولهُ تعالى :﴿ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ ؛ أي ما ينَامُون، هذا بيانُ إحسانِهم.
والْهُجُوعُ : النَّومُ باللَّيلِ دون النَّهار، و(مَا) زائدةٌ، والمعنى : كانُوا يَهجَعُونَ قليلاً من اللَّيلِ ويُصَلُّونَ أكثرَ اللَّيلِ. وَقِيْلَ : معناهُ : قَلَّ ليلةً أتت عليهم هَجَعُوها كلَّها، وقال مجاهدُ :(كَانُوا لاَ يَنَامُونَ كُلَّ اللَّيْلِ).
واختارَ قومٌ الوقفَ على قولهِ ﴿ كَانُواْ قَلِيلاً ﴾ على معنى : كَانُوا من الناسِ قَليلاً، وهو قولُ الضحَّاك ومقاتل. ثم ابتدأ فقالَ :﴿ مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ وهذا على نفيِ النومِ عنهم البتَّةَ. وَقِيْلَ : معناهُ : كانوا لا ينَامُون حتى يُصَلُّوا الْعَتْمَةَ، وقال أنسُ بن مالكٍ رضي الله عنه :(يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِب وَالْعِشَاءِ). وعن جعفرَ بن محمَّد أنه قال :(مَنْ لَمْ يَهْجَعْ مَا بَيْنَ الْمَغْرِب وَالْعِشاءِ فَهُوَ مِنْهُمْ)، عن أبي ذرٍّ قال :" سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ : أيُّ صَلاَةِ اللَّيْلِ أفْضَلُ ؟ قَالَ :" نِصْفُ اللَّيْلِ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ " قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ ؛ قال الحسنُ :(كَانُوا يَمُدُّونَ الصَّلاَةَ إلَى الْعَصْرِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ فِي الاسْتِغْفَار بالأَسْحَار).