قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ هَـاذِهِ تَذْكِرَةٌ ﴾ ؛ أي إنَّ هذه السورةَ موعظةٌ من اللهِ، ﴿ فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ ؛ أي طَريقاً بالعملِ الصالح. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ ؛ أي ما يَشاءُون اتخاذ السَّبيل إلاّ بمشيئةِ الله ذلك لكم، وقوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ أي عَليماً قبلَ خَلقِكم بمن يتَّخذ سَبيلاً ومَن لا يتَّخذُ، حَكيماً فيما أمَرَكم به.
واختلَفُوا في تفسيرِ هذه الآية، والصحيحُ : أنَّ معناها : وما تشَاءُون إلاَّ أنْ يشاءَ اللهُ لكم أن تشاءوا، ودليلُ ذلك أنه لَمَّا نزلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾[التكوير : ٢٨] قَالُوا : قَدْ جُعِلَتِ الْمَشِيئَةُ لَنَا وَلاَ نَشَاءُ، فَشُقَّ ذلِكَ عَلَى النَّبيِّ ﷺ فَنَزَلَ ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ ﴾.
ومن نفَى المشيئةَ قال : إنَّ هؤلاء مخصُوصون لا يشاءُون إلاّ أنْ يشاءَ اللهُ أن يُكرِهَهم عليه، قال الحسنُ :((مَا شَاءَتِ الْعَرَبُ أنْ يَبْعَثَ اللهُ مُحَمَّداً رَسُولاً، فَشَاءَ اللهُ ذلِكَ وَبَعَثَهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ). وعن النَّضرِ بن شُميل أنه قال :((لاَ تَمْضِي مَشِيئَةٌ إلاَّ بمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، وَلاَ تَمْضِي مَشِيئَةٌ مِنَ الْعَبْدِ إلاَّ بعِلْمِ اللهِ، فَمَنْ عَلِمَ اللهُ مِنْهُ خَيْراً شَاءَ الإيْمَانَ، وَمَنْ شَاءَ الإيْمَانَ شَاءَ اللهُ لَهُ أنْ يُوَفِّقَهُ، وَمَنْ شَاءَ الكُفْرَ شَاءَ اللهُ أنْ يَخْذُلَهُ)).