قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ ؛ أي أبصارُ أصحابها ذليلةٌ خاضِعة، وذلك أنَّ المضطربَ الخائفَ لا بدَّ أن يكون نظرهُ نظرَ الذليلِ الخاضعِ ؛ لترقُّب ما ينْزِلُ من الأمرِ. ويقالُ : ذليلةٌ عند معايَنة النار، كقوله﴿ خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ﴾[الشورى : ٤٥].
قال عطاءُ :((يُرِيدُ أبْصَارَ مَنْ مَاتَ كَافِراً)) يدلُّ عليه أنه ذكرَ مُنكرِي البعثِ، فقالَ :﴿ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ﴾ ؛ معناهُ : تقولُ الكفَّار وهم في الدُّنيا : أنُرَدُّ إلى أوَّلِ حالِنا وابتداءِ أمرنا فنصيرُ أحياءً ؟ كما كنَّا، يقال : رجعَ فلانٌ في حافرتهِ، أي رجع من حيث جاءَ. والحافرة عند العرب اسمٌ لأول الشيءِ، وابتداءُ الأمر. والمعنى أنهم كانوا يستبعِدُون البعثَ، ويقولون :﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ﴾ ؛ أنُرَدُّ إلى الحياةِ الأُولى، وتُعَادُ فينا الروحُ بعد أن نصيرَ عِظَاماً نَخِرَةً ؛ أي بَالِيَةً، ومنه قولُهم : رجعَ فلانٌ في حَافِرَتِهِ ؛ إذا رجعَ في الطريقِ الذي جاءَ فيه.
وقال بعضُهم : الْحَافِرَةُ الأرضُ التي تُحفَرُ فيها قبورُهم، والحافرةُ بمعنى المحفورةِ كما في﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾[الحاقة : ٢١، القارعة : ٧] وما وافقَ معناهُ : ومعناه : أئِنَّا لمَردُودُونَ إلى الأرضِ فنُبعَثُ خَلقاً جديداً، ونَمشي على أقدامِنا، وقال ابنُ زيد :((الْحَافِرَةُ : النَّارُ))، وَقِيْلَ : معناهُ : أنُرَدُّ أحياءً في قُبورنا.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ﴾ قرأ أهلُ الكوفة (نَاخِرَةً) بالألفِ، وهي قراءةُ عمرَ رضي الله عنه وابنِ عبَّاس وابنِ مسعود وابنِ الزُّبير. وقرأ الباقون (نَخِرَةً) بغيرِ ألفٍ، والنَّخِرَةُ : البَالِيَةُ، والنَّاخِرَةُ : الْمُجَوَّفَةُ، يقالُ : نَخَرَ العظمُ يَنْخِرُ فهو نَاخِرٌ وَنَخِراً إذا بَلِيَ وتفَتَّتَ، وقال الأخفشُ :((هُمَا لُغَتَانِ ؛ أيُّهُمَا قَرَأتَ فَحَسَنٌ)). والمعنى : أنَّهم أنكَرُوا البعثَ، فقالوا : أنُرَدُّ أحياءً إذا مِتنا وبَلِيَتْ عِظامُنا.