قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَلاَّ ﴾ ؛ أي حاشَا أن تَعودَ إلى مثلِ ذلك، لا تعُدْ إليه ولا تفعَلْ مثَلهُ، والمعنى : أنَّ (كَلاَّ) ها هنا كلمةُ رَدْعٍ وزَجرٍ، أو كلاَّ لا تفعَلْ بعدَها مِثْلَها. وقوله تعالى :﴿ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ ؛ أي إنَّ هذه الآياتِ التي أنزلها اللهُ عليكَ موعظةٌ يتَّعِظُّ بها عبادُ الله تعالى، ﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾ ؛ أي مَن شاءَ ألْهَمَهُ وفهَّمَهُ القرآنَ حتى يذكُرَهُ ويتَّعِظَ به.
" وهذا كلُّه تأْديبٌ للنبيِّ ﷺ، وتبين أنَّ المحافظةَ على الإقبالِ على المؤمنين أولى من الحرصِ على منَ هو كافرٌ رجاءَ أن يترُكَ. فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ أكْرَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَألْطَفَهُ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ غَزَاهُمَا لِيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، وَكَانَ ﷺ إذا رَآهُ يَقُولُ :" مَرْحَباً بمَنْ عَاتَبَنِي فِيْهِ رَبي، هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ ؟ " ".
ولا يمتنعُ أن يكون إعراضُ النبيِّ ﷺ عن ابنِ أُم مكتوم لأنه كان يريدُ أن يعلِّمَ الناسَ طريقةَ حفظِ الأدب في تعلُّمِ العلمِ. وقولهُ تعالى ﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾ أي فمَن شاءَ ذكرَ ما أُنزل من الآياتِ، ويقالُ : من شاءَ اللهُ له أنْ يتَّعِظَ اتَّعَظَ.
ثم أخبرَ اللهُ تعالى بجَلالَةِ القرآنِ في اللَّوحِ المحفوظِ عندَهُ فقالَ تعالى :﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ ؛ أي في كُتُبٍ مُعَظَّمَةٍ بما تضمَّنت من الحكمةِ، ﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ ؛ القَدْر في السَّموات، ﴿ مُّطَهَّرَةٍ ﴾ ؛ أي منَزَّهة من الدَّنَسِ ومن التناقُضِ والاختلافِ كما قال تعالى في آيةٍ أُخرى﴿ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ﴾[فصلت : ٤٢]. والصُّحُفُ : جمعُ الصَّحيفةِ : وَقِيْلَ : يعني بقولهِ ﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ اللوحَ المحفوظَ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ يعني في السَّماء السابعةِ وقولهُ تعالى :﴿ مُّطَهَّرَةٍ ﴾ أي يَمَسُّها إلاّ المطهرون، وهم الملائكة.


الصفحة التالية
Icon