قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾ ؛ معناه أقسِمُ برب الْخُنَّسِ، و(لاَ) في هذا الموضعِ مؤكِّدَةٌ زائدةٌ، وقوله تعالى :﴿ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ ؛ أي الجاريةُ في الأفلاكِ، وتَخْنُسُ في مَجراها ؛ أي ترجعُ إلى مَطالعِها في سَيرها، ثم تستَتِرُ عند غُروبها، فتغيبُ في الموضعِ التي تغيبُ فيها كما تُكنِسُ الظِّبَاءُ بأن تستترُ في كنَاسِها.
والْخَنْسُ : هو التأخُّر، ومنه الْخَنْسُ في الأنفِ تَأَخُّرهُ في الوجهِ، يقال : رجلٌ أخْنَسُ والمرأة خَنْسَاءٌ، وسُمي الأَخْنَسُ بن شَريف بهذا الاسم لتأخُّره عن يومِ بدرٍ عن أصحابهِ. ومنه الْخَنَّاسُ وهو الشيطانُ ؛ لأنه يغيبُ عن أعيُن الناسِ. والْخُنَّسُ : جمعُ خَانِسٍ، وهي النجومُ الخمسة : زُحَلُ والمشترِي والمرِّيخُ والزُّهرة وعطاردُ، تجرِي في الأفلاكِ وتَخْنُسُ في مجرَاها ؛ أي ترجعُ إلى مجرَاها في سيرها.
ورُوي : أنَّ رَجُلاً مِنْ خَثْعَمَ جَاءَ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَالَ : يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا الْخُنَّسُ ؟ قَالَ :((ألَسْتَ رَجُلاً عَرَبيّاً؟!)) قَالَ : بَلَى، وَلَكِنْ أكْرَهُ أنْ أُفَسِّرَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ مَا أُنْزِلَ ؟، فَقَالَ :((الْخُنَّسُ هِيَ النُّجُومُ الْخَمْسَةُ : الزُّهْرَةُ وَالْمُشْتَرِي وَبَهْرَامُ وَعَطَاردُ وزُّحَلُ)).
فَقَالَ : مَا الْكُنَّسُ ؟ قَالَ :((مُسْتَقَرُّهُنَّ إذا انْقَبَضْنَ، وَهُنَّ الْجَوَاري تَخْنُسُ خُنُوسَ الْقَمَرِ، يَرْجِعْنَ وَرَاءَهُنَّ وَلاَ يَقْدُمْنَ كَمَا يَقْدُمُ النُّجُومُ، وَلَيْسَ مِنْ نَجْمٍ غَيْرُهُنَّ إلاَّ يَطْلُعُ، ثُمَّ يَجْزِي حَتَّى يَقْطَعَ الْمَجَرَّةَ)). وَقِيْلَ : معنى خُنُوسِها أنَّها تستترُ بالنَّهار فتخفَى، وتنكسُ في وقت غُروبها.