قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ ؛ أي في نعيمٍ دائمٍ وهو نعيمُ الجنَّة، ﴿ عَلَى الأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ﴾ ؛ أي على السُّرُر من الدُّرِّ والياقوتِ في القِبَاب المضروبةِ ينظُرون إلى نعيمِ الجنَّة. وَقِيْلَ : إلى أعدائِهم كيف يُعذبون. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ ؛ أي بريقُ النعيمِ ونورهُ ونظارتهُ وبَهجته وحُسنه، ﴿ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾ ؛ أي خمرٌ صافية خالصة من الغشِّ بيضاءُ مختومة بالمسكِ، قال قتادةُ :((تُمْزَجُ لَهُمْ بالْكَافُور، وَتُخْتَمُ لَهُمْ بالْمِسْكِ)). وَقِيْلَ : معناهُ : آخِرُ طعمهِ مِسكٌ.
وقرأ علقمةُ (خَاتَمَهُ مِسْكٌ) أي آخرهُ، ويقال : معناهُ : أنَّهم إذا شَربوا من ذلك الشَّراب انختمَ ذلك بطعمِ المسكِ ورائحته. ويقال : معنى المختومِ ههنا أنَّ ذلك الشرابَ في الآخرةِ هو مختومٌ بالمسكِ بدلَ الطِّين الذي يُختم بمثلهِ الشَّراب في الدُّنيا، فهو مختومٌ بالمسكِ يومَ خَلقهِ الله تعالى لا ينفَكُّ حتى يَدْخُلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، فينفكُّ ذلك لَهم تعظيماً لشرابهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ ؛ أي في مثلِ هذا النعيمِ فليَرغب الرَّاغِبون وليجتهد المجتهدون، لا في النعيمِ الذي هو مكدَّرٌ لسُرعَةِ الفناءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ ﴾ ؛ معناهُ : ومِزَاجُ الرَّحيقِ من عَينٍ تنْزلُ عليهم من ساقٍ العرشِ، سُميت بذلك ؛ لأنَّها تُسنَمُ عليهم، فتَنصَبُّ انصِباباً من فوقِهم في منازلهم، ومنهُ سَنَامُ البعيرِ لعُلوِّه من بدنهِ، وذلك الشَّراب إذا كان أعلاَ كان أطيبَ وأهنأَ.