قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ ؛ فيه تنبيهٌ على قُدرة اللهِ تعالى، يقول : أفَلاَ يَرَونَ إلَى الإبلِ مع عِظَمها وشدَّتِها كيف تبرُك إذا أُريدَ ركوبُها فتُحمَلُ عليها وتُركَبُ، ثم تقومُ فيقودها الصغيرُ وينَخِّيها ويَحمِلُ عليها الحِمْلَ الثقيلَ وهي باركةٌ، فتنهَضُ بثقلهِ دابةٌ بحملِها ((وليس ذلك في شيء من الحيوان) )إلا البعير.
وَقِيْلَ : في وجه اتصالِ هذه الآية بما قبلَها : أنَّ النبيَّ ﷺ لَمَّا وصفَ للمشركين سُرُرَ أهلِ الجنة مع علُوِّها وارتفاعِها، وأنَّها تنحطُّ لصاحبها إذا أرادَ صُعودَها ثم ترتفعُ، استبعَدُوا ذلك، فذكرَ الله ما يزيلُ استبعادَهم وكانوا أربابَ إبلٍ، فأرَاهم دلائلَ توحيدهِ فيما في أيديهم.
وتكلَّمَت الحكماءُ في وجه تخصيصِ الإبل من بين سائرِ الحيوانات، فقال مقاتلُ :((لأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوا بَهِيمَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنْهَا، وَلَمْ يُشَاهِدُوا الْفِيلَ " إلاَّ " الشَّاذ مِنْهُمْ)). وقال الحسنُ :((لأَنَّهَا تَأْكُلُ النَّوَى، وَتُخْرِجُ اللَّبَنَ)). وَقِيْلَ : لأنَّها مع عِظَمها تلينُ للحملِ الثقيل وتنقادُ للقائدِ الضعيف يذهبُ بها كيفَ شاءَ.
وحكى الأُستاذ أبو القاسمِ بن حبيبٍ : أنه رأى في بعض التفاسيرِ : أنَّ فأرةً أخذت بزِمام ناقةٍ، فجعلتِ الفارةُ تجرُّ الناقةَ وهي تتبَعُها حتى دخلت الجحرَ، فجَرَّت الزمامَ فبَركت، فجَرَّته فقرَّبت فمَها من جحرِ الفارةِ، فسبحان الذي قدَّرها وسخَّرها وذلَّلَها.
وقال أبو عمرٍ :((الإبلُ هِيَ السَّحَابُ، وَهِيَ ألْيَقُ بما بَعْدُ مِنْ ذِكْرِ السَّمَاءِ وَالْجِبَالِ)) إلاَّ أنَّ هَذا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ، وإنما يقولون للسَّحاب : الإبلَّ بتشديدِ اللام.