﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ ؛ قال الكلبيُّ :((هَذِهِ السُّورَةُ وَالَّتِي بَعْدَهَا أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبيِّ ﷺ حِينَ سُحِرَ، فَأُمِرَ النَّبيُّ ﷺ أنْ يَتَعَوَّذ بهِمَا، وَذلِكَ أنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ : لَبيدُ بْنُ أعْصَمَ، سَحَرَ النَّبيَّ ﷺ وَاشْتَدَّ شَكْوَاهُ حَتَّى تُخُوِّفَ عَلَيْهِ.
" فَبَيْنَا النَّبيُّ ﷺ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إذْ أتَاهُ مَلَكَانِ ؛ أحَدُهُمَا عِنْدَ رَأسِهِ وَالآخَرُ عِنْدَ رجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأسِهِ لِلثَّانِي، أيُّ شَيْءٍ بهِ ؟ قَالَ : سِحْرٌ، قَالَ : مَنْ فَعَلَ بهِ ؟ قَالَ : لَبيدُ بْنُ أعْصَمَ الْيَهُودِيُّ، قَالَ : فَأََيْنَ جَعَلَهُ ؟ قَالَ : فِي بئْرٍ لِبَنِي زُرَيْقِ، وَجَعَلَهُ فِي صَخْرَةٍ فِي كُوبَةٍ، قَالَ : فَمَا دَوَاؤُهُ ؟ قَالَ : نَبْعَثُ إلَى تِلْكَ الْبئْرِ فَيُنْزَحُ مَاؤُهَا، ثُمَّ تُقْلَعُ الصَّخْرَةُ فَتُسْتَخْرَجُ الْكُوبَةُ مِنْ تَحْتِهَا فِيهَا إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً. وَإنَّمَا قَالَ ذلِكَ ؛ لِكَي يُفْهِمَ النَّبيَّ ﷺ، فَانْتَبَهَ النَّبيُّ ﷺ وَقَدْ فَهِمَ مَا قَالاَ.
فَأَرْسَلَ النَّبيُّ ﷺ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أصْحَابهِ إلَى تِلْكَ الْبئْرِ، فَانْتَهَى إلَيْهَا عَمَّارُ، وَقَدْ تَغَيَّرَ مَاؤُهَا كَهَيْئَةِ الْحِنَّاءِ مِنْ ذلِكَ السِّحْرِ، فَنَزَحُوا ذلِكَ الْمَاءَ حَتَّى بَدَتِ الصَّخْرَةُ فَإذا تَحْتَهَا كُوبَةٌ، فَأَخَذُوهَا وَإذا فِي الْكُوبَةِ وَتَرٌ فِيْهِ إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَجَاءَ بهَا إلَى النَّبيِّ ﷺ فَأُحْرِقَتْ وَأُنْزِلَتِ الْمُعَوَّذتَانِ إحْدَى عَشْرَةَ آيَةً فَحَلَّتْ كُلُّ آيَةٍ عُقْدَةً، وَأُمِرَ النَّبيُّ ﷺ أنْ يَتَعَوَّذ بهِمَا، وَكَانَ ﷺ يُعَوِّذُ بهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، فَكَانَ لَبيدُ بَعْدَ ذلِكَ يَأْتِي النَّبيَّ ﷺ فَمَا رَأى فِي وَجْهِ النَّبيِّ ﷺ شَيْئاً مِنْ ذلِكَ قَطُّ وَلاَ ذاكَرَهُ إيَّاهُ ".
وفي بعضِ الروايات :" أنَّ بَنَات لَبيدِ بْنِ أعْصَمَ اللَّوَاتِي سَحَرْنَ النَّبيَّ ﷺ، فَذهَبَ بذلِكَ لَبيدُ فَجَعَلَهُ فِي وعَاءِ الطَّلْعِ - أعْنِي كُوزَي النَّخْلِ - وَجَعَلَهُ فِي بئْرٍ تَحْتَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا أطْلَعَ اللهُ نَبيَّهُ عَلَى ذلِكَ بَعَثَ أبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى أخْرَجَاهُ. وَقِيْلَ : بَعَثَ عَلِيّاً فِي اسْتِخْرَاجِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ ".
والفَلَقُ على قولِ الكلبيِّ وقتادة :((الصُّبْحُ عِنْدَ بَيَانِهِ وَظُهُورهِ))، وعن ابنِ عبَّاس :((أنَّ الْفَلَقَ الْخَلْقُ يَخْرُجُونَ مِنْ أصْلاَب آبَائِهِمْ وَأرْحَامِ أُمَّهَاتُهُمْ كَمَا يَنْفَلِقُ الْحَبُّ مِنَ النَّبَاتِ)). وهذا القول أعمُّ من الأولِ وأقربُ إلى تعظيمِ الله تعالى، لأن الفلَقَ كلمةٌ جامعة من لطائفِ القرآن، واللهُ تعالى فاِلقُ الإصباحِ وفالقُ الحب والنَوى، وفالقُ البحرِ لموسى.
ومعنى السُّورة : قُل يا مُحَمَّدٍ : امتَنِعُ واعتَصِمُ واستَعِذُ بربِّ الفلقِ من شرِّ كل ذي شرٍّ منِ الجنِّ والإنسِ والسباع والحيَّات والعقارب وغيرها، وعن كعب الأحبار أنه قالَ :((الْفَلَقُ بَيْتٌ فِي النَّار لَوْ فُتِحَ بَابُهُ صَاحَ جَميعُ أهْلِ النَّار مِنْ شِدَّتِهِ)). قال السديُّ :((الْفَلَقُ بئْرٌ فِي جَهَنَّمَ)).