قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾ ؛ معناهُ : إنَّ أهلَ الجاهليةِ كانوا إذا نزَلُوا بوادٍ، أو بأَرْضٍ فأَمْسَوا هنالكَ، قالوا : نعوذُ بسيِّد هذا الوادِي من سُفهاء قومهِ، أرَادُوا بذلك سيِّدَ الجنِّ، فيَبيتُون في جوارٍ منهم يحفظونَهم حتى يُصبحوا، وقالتِ الجنُّ : قد سُدْنا الجنَّ والإنسَ حتى بلغ سؤدَدُنا الإنسَ فزادَهم تعوُّذِ الإنسِ لَهم رهَقاً ؛ أي كِبْراً وعظَمةً في نُفوسِهم وسَفَهاً وطُغياناً وظُلماً.
وعن كَرْدَمِ بن أبي السَّائب الأنصاريِّ قال :(خَرَجْتُ مَعَ أبي إلَى الْمَدِينَةِ وَآوَانَا الْمَبيت إلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ جَاءَنَا ذِئْبٌ فَأَخَذَ حَمَلاً مِنَ الْغَنَمِ، فَوَثَبَ الرَّاعِي فَنَادَى : يَا عَامِرَ الْوَادِي جَارُكَ! فَنَادَى مُنَادِياً لاَ نَرَاهُ : يَا سَرْحَانَ أرْسِلْهُ. فَأَتَى الْحَمَلُ يَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلَ بَيْنَ الْغَنَمِ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ بمَكَّةَ ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾ ). قال ابنُ عبَّاس :(يَعْنِي زَادُوهُمْ بهَذا التَّعَوُّذِ طُغْيَاناً حَتَّى قَالُوا : سُدْنَا الإنْسَ وَالْجِنَّ). والرَّهَقُ في كلامِ العرب : الإثْمُ وغَشيَانُ الْمَحارمِ.


الصفحة التالية
Icon