قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ ؛ أي لنتعبَّدَهم بالشُّّكر، وذهبَ الكلبيُّ إلى أنَّ معنى الآية لَوِ اسْتَقَامُوا على طريقةِ الكُفرِ والضَّلال فكانُوا كُفَّاراً كُلَّهم لأعطَيناهم ماءً كَثيراً ووسَّعنا عليهم وأرغَدنَا عَيشهم لنَفْتِنَهُمْ فيهِ عقوبةً لهم واستدراجاً حتى يُفتَنوا بهذا فنعذِّبَهم، قال عمرُ رضي الله عنه :(أيْنَ مَا كَانَ الْمَالُ كَانَتِ الْفِتْنَةُ) ودليلُ هذا التأويلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾[الأنعام : ٤٤]. والقولُ الأوَّلُ أولى ؛ لأنَّ الطريقةَ معرَّفَةٌ بالألفِ واللاَّم، ولا تُذكَرَ الاستقامةُ إلاَّ على الحقِّ.
وقولهُ تعالى :﴿ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾ ؛ يعني مَن يُعرِضْ عن القرآنِ نُدخِلهُ عَذاباً شاقّاً ذا صَعَدٍ ؛ أي ذا مشقَّةٍ، والصَّعَدُ : الشَّاقُّ الشديدُ، ومنه قولُهم : تنفَّسَ الصَّعَداءَ، وفي الحديثِ :" صَخْرَةٌ مَلْسَاءُ فِي جَهَنَّمَ يُكَلَّفُ الْكَافِرُ صُعُودَهَا، يُجْذبُ مِنْ لِقَامِهِ بالسَّلاَسِلَ، وَيُضْرَبُ مِنْ خَلْفِهِ بالْمَقَامِعَ، فَإذا انْتَهَى إلَى أعْلاَهَا وَلاَ يَبْلُغُهُ فِي أرْبَعِينَ سَنَةٍ، فَإذا بَلَغَ أعْلاَهَا أُحْدِرَ إلَى أسْفَلِهَا، فَكَانَ دَأبُهُ هَذا أبَداً " ويقالُ : سلكتُ الشَّيءَ أو أسلَكْتُهُ بمعنى واحدٍ وهو الإدخالُ. قرأ كوفِي ويعقوب (يَسْلُكْهُ) بالياءِ، وقرأ مسلمُ بن جُندب (نُسْلِكْهُ) بنون مضمومةٍ وكسرِ اللام.


الصفحة التالية
Icon