مادته وتنوع مباحثه ووجوهه في مصنفاتهم، ولكن نلاحظ على هذه الجهود العظيمة انعدام تصنيف مستقل بهذا الفن، جامع لوجوه بيانه، مرتبة حسب مباحثها، مصحوبة بشرح لما فيها العمليات التفسيرية، إلى غير ذلك مما يحتاجه الموضوع. فلم يشتهر بين مصنفاتهم الكثيرة في مجال التفسير على تعددها، وتنوع مطالبها، ومناهجها، مصنف بالشكل الذي ذكرناه. وحسب جهودي المتواضعة في تتبع هذا الفن وتطوره، لم أقف على شيء ينسب إليهم مما ذكرت. ولهذا أقول: لقد اعتنى القدماء بتفسير القرآن بالقرآن، وألفوا في مباحثه المتنوعة، ولكن لم يثبت أن أفردوه بتصنيف مستقل جامع، اللهم إلا ما كان من التفاسير العامة المصنفة حسب ترتيب المصحف، فقد استوعبت نصيبا هاما من مباحثه ووجوهه، ولكنها لم تكن خاصة به، حاملة لاسمه، وإنما كانت عامة جامعة له ولغيره من العلوم والفنون، فصعب الاهتداء إليه بين تلك الأمواج المتلاطمة مما ذكرنا.
أما جهود المحدَثين في هذا الباب، فلا يختلف حالها كثيراً عما قيل في تقويم جهود السابقين؛ فقد شاركوا بدورهم في تناول جوانب متنوعة من هذا الفن، بما ألفوه من كتب ومباحث متنوعة، ولكن لا أعلم في حدود جهودي المتواضعة بوجود مصنف مستقل بالصورة التي أشرت إليها سابقاً، على كثرة المصنفات التي سماها أصحابها بهذا الاسم الخاص ‘‘ تفسير القرآن بالقرآن ‘‘، أو ما يشبه ذلك.
وهي تفاسير غلب عليها هذا اللون من التفسير، كما تدل على ذلك عناوينها، ومادة بعضها أيضا. وهي:
ـ إما تفاسير في حاجة إلى فهارس تكشف عن مواضع هذا الفن المنثور بين طياتها، المغمور بين ما تحمله من علوم متنوعة ومسائل متشعبة، كأضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي رحمه الله.
ـ وإما تفاسير أدبية بسيطة، تسجل تجارب أصحابها في تذوق نصوص القرآن، بعيدة عن الأسلوب العلمي المعروف في تفسير القرآن بالقرآن، كالتفسير القرآني للقرآن، لعبد الكريم محمود الخطيب.