والميزان له لسان، وله كفتان، في قول أهل السنة والجماعة، وأنكره المعتزلة، أنكر المعتزلة الميزان، وقالوا: ما في شيء اسمه ميزان، وإنما هو كناية عن العدل الإلهي، وإلا فالأعمال الصالحة معاني كيف توزن؟ الأعمال الصالحة معاني، أنت صليت كيف توزن هذه الصلاة؟ الله -جل وعلا- قادر على تحويل هذه المعاني إلى أجسام، وكما توزن الأعمال الصالحة والسيئة، يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، هذا إذا كان من أهل النار، نسأل الله السلامة والعافية، فالقول المحقق عند أهل العلم هو قول سلف هذه الأمة وأئمتها وخيارها، وهو المعتمد عند أهل السنة والجماعة: إن الميزان حقيقي، له لسان، وله كفتان، توضع في كفة الحسنات، وتوضع في كفة السيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه بأن رجحت كفة سيئاته على كفة حسناته فأمه هاوية، ولا شك أن هذا هو الشقي، الذي يعمل من السيئات أضعاف مضاعفة مما يعمله من الحسنات، يعني لا يقال: هذا زادت حسناته على سيئاته، عمل ألف حسنة وألف سيئة وواحدة، لا، الحسنات هذه الألف الأصل فيها مائة، لكن الله ضاعف هذه الحسنات، وجعلها عشرات، الحسنة بعشر أمثالها، هذا على أقل تقدير.
فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه، خفت موازين حسناته، ورجحت موازين سيئاته عليها فهذا أمه هاوية، ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [(٩) سورة القارعة] والهاوية: اسمٌ من أسماء النار، نعوذ بالله منها، الهاوية هذه أمه؛ لأنه يأوي إليها، ويصير إليها كما يصير الطفل إلى أمه، يأوي إليها، وتحتويه، وتحتضنه النار كما تحويه وتحتضنه أمه، فهذا أمه النار؛ لأنه يلازمها ويأوي إليها، كما يأوي الطفل إلى أمه.