وجاء الوصف الآخر: ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ [(٧) سورة القمر] تصور الجراد إذا انتشر في الجو إلا أن الجراد ما هو مثل الفراش، الفراش يموج لا إلى غاية، والجراد غايته واحدة، فهم في أول الأمر يموجون ثم يتجهون، يعني من هول الموقف تجدهم يموجون مثل الفراش، ثم بعد ذلك إذا استقرت أحوالهم صاروا كالجراد، وهم في الأصل يموج بعضهم في بعض، ويقول العلماء: كغوغاء الجراد، والغوغاء: الأمور المجتمعة المختلطة، ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [(٤) سورة القارعة] يعني المتفرق المنتشر في الجو.
﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾ [(٥) سورة القارعة] هذه الجبال التي أرسى الله -جل وعلا- بها الأرض؛ لئلا تميد ولا تتحرك، تكون الجبال في يوم القيامة كالعهن كالصوف المنفوش، يعني المندوف المفرق بعضه عن بعض، يعني تصور الجبال، هذه الجبال الرواسي التي أرسى الله بها الأرض تكون كالصوف، الصوف إذا نفش وندف أدنى نسمة هواء، أو أدنى ريح تفرقه في الجو، يكون لا شيء.
ومنهم من يقول: إن المراد بالعهن الصوف المصبوغ الذي له ألوان، والجبال لها ألوان، لها ألوان وإلا بدون ألوان؟ ﴿جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [(٢٧) سورة فاطر] ألوان، فهي مناسبة لتمثيلها بالصوف، بالعهن المنفوش الذي ندف، معلومٌ أن الصوف إذا رص بعضه على بعض يكون له وزن، وكانت الفرش إلى وقتٍ قريب إنما حشوها الصوف، والوسائد حشوها صوف، فإذا كانت ملبدة، هذه الوسائد ملبدة بالصوف له وزن، لكن إذا استخرجت هذا الصوف وندفته ونفشته، وفرقت بعض أجزائه عن بعض، صار لا وزن له، يطير في الهواء كالهباء، وبهذا يتصور عظمة الخالق -جل وعلا-، هذه الجبال التي أرسى بها دعائم الأرض تكون مثل الصوف مثل الهباء الذي يتفرق يميناً وشمالاً، كالعهن المنفوش.