(فنصفها لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته، وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله :﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ وفي هذا دليل على الحض على التوسل بالصفات العلى وبالأعمال الصالحة فقد حمد الله وأثنى عليه ومجده بصفاته.
(رب العالمين، الرحمن الرحيم - مالك يوم الدين).
ثم أفرده بالعبادة والاستعانة : فبعد أن قدم بين يدي ربه هذه الأعمال الصالحة تقدم منه سائلاً حاجته وهي أن يهديه وإخوانه المؤمنين صراطه المستقيم الذي هو الإسلام الصحيح الخالي من الزيادة والنقصان، النفي من كل بدعة وخرافة، هذا الصراط الذي هو أقرب الطرق للوصول إلى ما يحب الله ويرضى طبق ما أمر، وبلغ رسول الله، وإذا أمعن المسلم في آيات القرآن فإنه يرى جميع آيات الدعاء، لا بد أن يسبقها توسل إلى الله تعالى إما بدعائه، أو بذات الله ـ أو بأسمائه الحسنى، أو صفاته العلى، أو بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى ربه، أو أن يتوسل إليه بدعاء إخوانه المؤمنين له بالدعاء لهم، قال الله تعالى على لسان ذي النون عليه السلام :
﴿لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
فإن ذا النون لما ابتلعه الحوت لم يجد من التوسل إلى الله أقرب من توحيده تعالى وتنزيهه.
والهداية هاهنا : الإرشاد والتوفيق، وقد تعدي الهداية بنفسها كما هنا ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ فتضمن معنى : ألهمنا، أو وفقنا، أو أرزقنا، أو أعظنا.
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾، أي بينا له الخير والشر وقد تعدي بإلى كقوله تعالى :﴿اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة، كذلك قوله :﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وقد تُعدي باللام، كقول أهل الجنة :


الصفحة التالية
Icon