فهذه السورة على إيجازها قد جمعت علوما جمة، تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية يؤخذ من قوله :﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، وتوحيد الألوهية من قوله :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، فهو المألوه بعبادته والاستعانة به، وتوحيد الأسماء والصفات بأن يثبت لله صفات الكمال كلها التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله ﷺ.
وقد دل على ذلك إثبات الحمد لله ; فإن الأسماء الحسنى والصفات العليا وأحكامها كلها محامد ومدائح لله تعالى، وتضمنت إثبات الرسالة في قوله :﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، لأنه الطريق الذي عليه النبي ﷺ، وذلك فرع عن الإيمان بنبوته ورسالته، وتضمنت إثبات الجزاء، وأنه بالعدل، وذلك مأخوذ من قوله :﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾.
وتضمنت إثبات مذهب أهل السنة والجماعة في القدر، وأن جميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وأن العبد فاعل حقيقة، ليس مجبورا على أفعاله، وهذا يفهم من قوله :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، فلولا أن مشيئة العبد مضطر فيها إلى إعانة ربه وتوفيقه لم يسأل الاستعانة.


الصفحة التالية
Icon