واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضى لذلك، فقال :﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان مع ذلك قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه، وذكر المانع بقوله :﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ أي : جبلت النفوس على الشح، وهو الاستئثار والتفرد في الحقوق، وعدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي : فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتقليله وتلطيفه وتستبدلوا به ضده، وهو السماحة ببذل جميع الحقوق التي عليك، والاقتناع ببعض الحق الذي لك، والإغضاء عن التقصير، فمتى وفق العبد لهذا الخلق الطيب سهل عليه الصلح بينه وبين كل من بينه وبينه منازعة ومعاملة، وتسهلت الطريق الموصلة إلى المطلوب، ومن لم يكن بهذا الوصف تعسر الصلح أو تعذر ؛ لأنه لا يرضيه إلا جميع ما له كاملا مكملا، ولا يهون عليه أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر.


الصفحة التالية
Icon