فحينئذ فجر الله الأرض عيونا، وأمر السماء أن تصب الماء المنهمر الكثير، فالتقت مياه السماء بمياه الأرض، وساحت على الأماكن المنخفضة، ثم ارتفعت شيئا فشيئا على كل المرتفعات حتى خفيت قمم الجبال الشاهقة، والسفينة تجري بهم في موج كالجبال تضرب يمينا وشمالا، وفي تلك الحال المزعجة رأى نوح ابنه الكافر الذي كان على دين قومه وقد اعتزل أباه حتى في هذه الحال، فرآه مثل سائر قومه قد فر هاربا من المياه الجارفة، فناداه نوح مترققا فقال :
﴿ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود : ٤٢].
فتمادى به الغرور في تلك الحال التي تنقشع فيها الغياهب إلا عن القلوب المحجوبة ; فقال :
﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود : ٤٣].
لم يخطر ببالهم أن المياه سترتفع فوق رؤوس الجبال، فقال له نوح :
﴿ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾ [من الآية].
فلا يعصم جبل ولا حصن ولا غير ذلك إلا من رحم الله، ورحمته في تلك الحال متعينة في ركوب السفينة مع نوح.
﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ ﴾ [من الآية].
فكان ذلك الابن من المغرقين.


الصفحة التالية
Icon