وقولهم :﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ ﴾ هل في هذا الكلام شيء من الإنصاف بوجه، لأنهم يخبرون عن أنفسهم، وكلامهم يحتمل أنه الذي في قلوبهم، ويحتمل أنهم يقولون ما لا يعتقدون، وعلى كلا الأمرين فالحق يجب قبوله، سواء أقاله الفاضل أو المفضول، الحق أعلى من كل شيء.
وكذلك قولهم :﴿ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ معلوم أن الظن أكذب الحديث، ثم لو قالوا : بل نعلمكم كاذبين، فهذه كل مبطل يقدر أن يقولها، ولكن بأي شيء استدللتم أنهم كاذبون ؟ فهذه أدلتهم وبراهينهم أبطلت نفسها بنفسها كما ترى، فكيف وقد قابلها الرسل بالأدلة والبراهين المتنوعة التي لا تبقى ريبا لأحد في بطلانها.
ومنها : أن من فضائل الأنبياء وأدلة رسالتهم إخلاصهم التام لله تعالى في عبوديتهم لله القاصرة، وفي عبوديتهم المتعدية لنفع الخلق كالدعوة والتعليم وتوابع ذلك، ولذلك يبدون ذلك ويعيدونه على أسماع قومهم كل منهم يقول :
﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ [هود : ٢٩].


الصفحة التالية
Icon