منها : أن المناظر يقول الشيء الذي لا يعتقده ليبني عليه حجته، وليقيم الحجة على خصمه، كما قال في تكسيره الأصنام لما قالوا له :
﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء : ٦٢].
فأشار إلى الصنم الذي لم يكسره فقال :
﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ [الأنبياء : ٦٣].
ومعلوم أن غرضه إلزامهم بالحجة، وقد حصلت.
فهنا يسهل علينا فهم معنى قوله :﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ أي : إن كان يستحق الإلهية بعد النظر في حالته ووصفه فهو ربي، مع أنه يعلم العلم اليقيني أنه لا يستحق من الربوبية والإلهية مثقال ذرة، ولكن أراد أن يلزمهم بالحجة :
﴿ فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ [الأنعام : ٧٦].
أي : غاب ﴿ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ [الأنعام : ٧٦].
فإن من كان له حال وجود وعدم، أو حال حضور وغيبة، قد علم كل عاقل أنه ليس بكامل، فلا يكون إلها، ثم انتقل إلى القمر، فلما رآه بازغا :﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾ [الأنعام : ٧٧].


الصفحة التالية
Icon