أي : بحضرة الخلق العظيم، ووبخوه أشد التوبيخ ثم نكلوا به، وهذا الذي أراد إبراهيم ؛ ليظهر الحق بمرأى الخلق ومسمعهم، فلما جمع الناس وحضروا، وحضَّروا إبراهيم قالوا :
﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيمُ ﴾﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ [الأنبياء : ٦٢ و٦٣].
مشيرا إلى الصنم الذي سلم من تكسيره، وهم في هذه بين أمرين : إما أن يعترفوا بالحق، وأن هذا لا يدخل عقل أحد أن جمادا معروفا أنه مصنوع من مواد معروفة لا يمكن أن يفعل هذا الفعل، وإما أن يقولوا : نعم هو الذي فعلها وأنت سالم ناج من تبعتها، وقد علم أنهم لا يقولون الاحتمال الأخير، قال : فاسألوهم إن كانوا ينطقون، وهذا تعليق بالأمر الذي يعترفون أنه محال، فحينئذ ظهر الحق وبان، واعترفوا هم بالحق فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا : إنكم أنتم الظالمون، ثم نكسوا على رؤوسهم، أي : ما كان اعترافهم ببطلان إلهيتها إلا وقتا قصيرا ظهرت الحجة مباشرة التي لا يمكن مكابرتها، ولكن ما أسرع ما عادت عليهم عقائدهم الباطلة التي رسخت في قلوبهم، وصارت صفات ملازمة، إن وجد ما ينافيها فإنه عارض يعرض ثم يزول :


الصفحة التالية
Icon