فأول مقاماته في إنزال القرآن عليه أنه كان قبل البعثة قد بغضت إليه عبادة الأوثان، وبغض إليه كل قول قبيح وفعل قبيح، وفطر ﷺ فطرة مستعدة متهيئة لقول الحق علما وعملا، والله تعالى هو الذي طهّر قلبه وزكاه وكمّله، فكان من رغبته العظيمة فيما يقرب إلى الله أنه كان يذهب إلى غار حراء الأيام ذوات العدد، ويأخذ معه طعاما يطعم منه المساكين ويتعبَّد ويتحنث فيه، فقلبه في غاية التعلق بربه، ويفعل من العبادات ما وصل إليه علمه في ذلك الوقت الجاهلي الخالي من العلم، ومع ذلك فهو في غاية الإحسان إلى الخلق، فلما تم عمره أربعين سنة، وتمت قوته العقلية، وَصَلُحَ لتلقي أعظم رسالة أرسل الله بها أحدا من خلقه، تبدَّى له جبريل ﷺ فرأى منظرا هاله وأزعجه، إذ لم يتقدم له شيء من ذلك، وإنما قدَّم الله له الرؤيا، التي كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
فأول ما أنزل الله عليه :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق : ١].
فجاءه بها جبريل وقال له : اقرأ، فأخبره أنه ليس بقارئ - أي لا يعرف أن يقرأ - كما قال تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴾ [الضحى : ٧].


الصفحة التالية
Icon