ومن الأمور التي تعلم بالعقل أن العقول الصحيحة التي لم تغير فطرتها، ولم تفسد بالعقائد الفاسدة، تعلم علما يقينا حسن التوحيد والإخلاص لله، كما تعلم قبح الشرك، وتعلم حسن الصدق والعدل والإحسان إلى المخلوقين، كما تعلم قبح ضده، وتعلم وجوب شكر المنعم، ووجوب بر الوالدين وصلة الأقارب، والقيام بحق من له حق عليك، وتستحسن كل صلاح وإصلاح، وتستقبح كل فساد وضرر، ومن أشرف ما يعلم بالعقل أنه مركوز في العقول أن الكمال المطلق لله وحده، وأن له الحكمة التامة في خلقه وشرعه، وأنه لا يليق به أن يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون، ومن المعلوم بالحس ما يدرك بالحواس كسمع الأصوات وإبصار الأعيان وهو من أتم المعارف، فإنه ليس الخبر كالمعاينة، ومما يدرك بالحس ما يدرك بالشم كشم الروائح الطيبة والخبيثة، وما يدرك باللمس كالحرارة والبرودة، وما يدرك بتحليل الأشياء والوقوف على موادها وجواهرها وصفاتها، كل هذا من مدركات الحس، وبالجملة فطرق العلم إلى المعلومات كثيرة جدا، وكلما كان الشيء أعظم ومعرفته أهم كانت الطرق الموصلة إليه أكثر وأوضح وأصح وأقوى، كما تقدمت الإشارة إلى التوحيد