الرابع : وأحسنها أنه تقدم ذكر المنعم عليهم والغضب ضد الإنعام، والسورة هي السبع المثاني التي يذكر فيها الشيء ومقابله، فذكر المغضوب عليهم مع المنعم عليهم فيه من الازدواج والمقابلة ما ليس في تقديم الضالين، فقولك : الناس منعم عليه ومغضوب عليه، فكن من المنعم عليهم أحسن من قولك : منعم عليه وضال (١). أ هـ
فإن قيل : لم قال (غير المغضوب عليهم) ولم يقل (لا المغضوب عليهم) ؟
قال :"غير المغضوب عليهم"، ولم يقل (لا المغضوب عليهم) فيقال : لا ريب أن "لا" يعطف بها بعد الإيجاب، كما تقول : جاءني زيد لا عمرو، وجاءني العالم لا الجاهل، وأما (غير) فهي تابع لما قبلها، وهي صفة ليس إلا.
وإخراج الكلام هنا مخرج الصفة أحسن من إخراجه مخرج العطف، وهذا إنما يعلم إذا عرف فرق ما بين العطف في هذا الموضع، والوصف، فتقول : لو أخرج الكلام مخرج العطف، وقيل : صراط الذين أنعمت عليهم لا المغضوب عليهم، لم يكن في العطف بها أكثر من نفي إضافة الصراط إلى المغضوب عليهم، كما هو مقتضى العطف، فإنك إذا قلت : جاءني العالم لا الجاهل، لم يكن في العطف أكثر من نفي المجيء عن الجاهل وإثباته للعالم وأما الإتيان بلفظ (غير) فهي صفة لما قبلها، فأفاد الكلام معها وصفهم بشيئين :
أحدهما : أنهم منعم عليهم، والثاني : أنهم غير مغضوب عليهم، فأفاد ما يفيد العطف مع زيادة الثناء عليهم ومدحهم، فإنه يتضمن صفتين ثبوتية هي كونهم منعماً عليهم، وصفة سلبية : وهي كونهم غير مستحقين لوصف الغضب، وأنهم مغايرون لأهله.

(١) بدائع الفوائد حـ٢ ص٢٦٢ بتصرف يسير


الصفحة التالية
Icon