وقال الزركشي :
أما بعد فإن أولى ما أعملت فيه القرائح، وعلقت به الأفكار واللواقح : الفحص عن أسرار التنزيل، والكشف عن حقائق التأويل الذي تقوم به المعالم، وتثبت الدعائم. فهو العصمة الواقية، والنعمة الباقية والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وه وشفاء الصدور، والحكم العادل عن مشتبهات الأمور والكلام الجزل وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخب وضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتظاهر إيجازه وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتقارن في الحسن مطالعه ومقاطعه، وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه، قد أحكم الحكيم صيغته مبناه، وقسم لفظه ومعناه، إلى ما ينشط السامع ويقرط المسامع من تجنيس أنيس وتطبيق لبيق، وتشبيه نبيه وتقسيم وسيم، وتفصيل أصيل، وتبليغ بليغ، وتصدير بالحسن جدير، وترديد ما مزيد، إلى غير ذلك مما أجري الصياغة البديعة، والصناعة الرفيعة، فالآذان بأقراطه حالية، والأذهان من أسماطه غير خالية، فهو من تناسب ألفاظه، وتناسق أغراضه، قلادة ذات اتساق، ومن تبسم زهره، وتنسم نشره، حديقة مبهرة للنفوس والأسماع والأحداق، كل كلمة منه لها من نفسها طرب، ومن ذاتها عجب، ومن طلعتها غرة، ومن بهجتها درة لاحت عليه بهجة القدرة، ونزل ممن له الأمر، فله على كل كلام سلطان وإمرة، بهر تمكن فواصلة، وحسن ارتباط أواخره وأوائله، وبديع إشاراته، وعجيب انتقالاته، من قصص باهرة، إلى مواعظ زاجرة وأمثال سائرة، ومواقع تعجب واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، وإن كان سياق الكلام ترجيه بسط، وإن كان تخويفاً قبض، وإن كان وعداً أبهج، وإن كان دعوة حدب، وإن كان كان زجرة أرعب وإن كان موعظة أقلق وإن كان ترعيباً شوق.
هذا، وكم فيه من مزايا وفي زواياه خبايا
ويطمع الحير في التقاضي فيكشف الخبر عن قضايا