لأن الكبير العظيم لا يطلب منه الشيء الحقير اليسير، وحكي أن بعضهم ذهب إلى بعض الأكابر فقال : جئتك لمهم يسير فقال : أطلب للمهم اليسير رجلاً يسيراً وكأنه تعالى يقول :" لو اقتصرت على ذكر الرحمن لاحتشمت عنى ولتعذر عليك سؤال الأمور اليسيرة ولكن كما علمتني رحمانا تطلب من الأمور العظيمة (١) فأنا أيضاً رحيم فاطلب منى شراء نعلك وملح قدرك (٢). اهـ.
ومن لطائف هذين الاسمين الجليلين
ما ذكره الفخر الرازي أيضاً :
منها أنه تعالى رحمن لأنه يخلق ما لا يقدر عليه العبد، ورحيم لأنه يفعل ما لا يقدر العبد على جنسه، فكأنه تعالي يقول :" أنا رحمن لأنك تسلم إلى نطفة مذرة فأسلمها إليك صورة حسنة كما قال تعالى :" وصوركم فأحسن صوركم " ﴿غافر : ٦٤﴾ وانا رحيم لأنك تسلم إلى طاعة ناقصة فأسلم إليك جنة خالصة.
وهذه لطيفة أخري :
لقد اشتهر أن النبي - ﷺ - لما كسرت رباعيته قال :" اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " فظهر يوم القيامة يقول :" أمتى. أمتى، فهذا كرم عظيم منه في الدنيا والآخرة وإنما حصل فيه هذا الكرم وهذا الإحسان لكونه رحمة كما قال تعالى :" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ﴿الأنبياء : ١٠٧﴾ فإذا كان أثر الرحمة الواحدة بلغ هذا الحد المبلغ فكيف كرم من هو رحمن رحيم (٣) ؟! اهـ.
وجه غريب
وقد ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - وجهاً غريباً عند الكلام عن هذين الاسمين الكريمين " الرحمن - الرحيم " قال ما نصه :
(٢) - التفسير الكبير - حـ١ - صـ٢٠٢
(٣) - التفسير الكبير - حـ١ - صـ٢٠٣