قال ابن جزى - رحمه الله - ما نصه : الحمد أعم من الشكر لأن الشكر لا يكون إلا بجزاء النعمة والحمد يكون جزاء كالشكر ويكون ثناء ابتداءا كما أن الشكر قد يكون أعم من الحمد لأن الحمد باللسان والشكر بالقلب واللسان والجوارح. فإذا فهمت عموم الحمد علمت أن قولك " الحمد لله " يقتضي الثناء عليه لما هو من الثناء والعظمة والوحدانية والإفضاء والعلم وغير ذلك من الصفات. ما يتضمن معاني أسمائه الحسني التسعة والتسعين ويقتضي شكره والثناء عليه بكل نعمة ورحمة أولى جميع خلقه في الآخرة والأولى، فيا لها من كلمة جمعت ما تضيق عنه المجلدات.
واتفق دون عدة عقول الخلائق ويكفيك إن الله جعلها أول كتابه وأخر دعوى أهل الجنة، الشكر باللسان هو الثناء على المنعم والتحدث بالنعم، قال رسول الله - ﷺ - :" التحدث بالنعم شكر " والشكر بالجوارح هو العمل بطاعة الله وترك معاصيه والشكر بالقلب هو معرفة مقدار النعمة. والعلم بأنها من الله وحده، والعلم بأنها أفضل لا باستحقاق العبد،
واعلم أن النعم التي تجب الشكر عليها لا تحصى، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام :
نعم دنيوية : كالعافية والمال، نعم دينية : كالعلم والتقوى. ونعم أخروية : هي جزاؤه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير. والناس في الشكر على مقامين : منهم من يشكر على النعم الواصلة إليه خاصة ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلي جميعهم، والشكر على ثلاث درجات : فدرجات العوام الشكر على النعم ودرجة الخواص الشكر على النعم والنقم على كل حال ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المنعم، قال رجل لإبراهيم بن آدهم : الفقراء إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا أثروا. ومن فضيلة الشكر أنه من صفات الحق ومن صفات الخلق فإن من أسماء الله : الشاكر والشكور (١). أهـ.

(١) - التسهيل - حـ١ - صـ٣٢، ٣٣


الصفحة التالية
Icon