واعلم أن تربيته تعالى مخالفة لتربية غيره، وبيانه من وجود : الأول : ما ذكرناه أنه تعالى يربي عبيده لا لغرض نفسه وغيره يربون لغرض أنفسهم لا لغرض غيرهم، الثاني : أن غيره إذا ربى فبقدر تلك التربية يظهر النقصان في خزائنه وفي ماله وهو متعال عن النقصان والضرر، كما قال تعالى :"وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " [الحجر : ٢١] الثالث : أن غيره من المحسنين إذا ألح الفقير عليه أبغضه وحرمه ومنعه، والحق تعالى بخلاف ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء. الرابع : أن غيره من المحسنين ما لم يطلب منه الإحسان لم يعط، أما الحق تعالى فإنه يعطي قبل السؤال، ألا ترى أنه رباك حال ما كنت جنيناً في رحم الأم، وحال ما كنت جاهلاً غير عاقل، لا تحسن أن تسأل منه ووقاك وأحسن إليك مع أنك ما سألته وما كان لك عقل ولا هداية. الخامس : أن غيره من المحسنين ينقطع إحسانه إما بسبب الفقر أو الغيبة أو الموت، والحق تعالى لا ينقطع إحسانه ألبتة. السادس : أن غيره من المحسنين يختص إحسانه بقوم دون قوم ولا يمكنه التعميم أما الحق تعالى فقد وصل تربيته وإحسانه إلى الكل كما قال :" ورحمتي وسعت كل شيء " [الأعراف : ١٥٦] فثبت أنه تعالى رب العالمين ومحسن إلى الخلائق أجمعين، فلهذا قال تعالى في حق نفسه الحمد لله رب العالمين.