من أحكام كونه ملكاً كمال الرحمة، والدليل عليه آيات : إحداها : ما ذكر في هذه السورة من كونه رباً رحماناً رحيماً : وثانيها : قوله تعالى :"ه والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم " ثم قال بعده :"ه والله الذي لا إله إلا هو الملك " [الحشر : ٢٣، ٢٢] ثم ذكر بعده كونه قدوساً عن الظلم والجور، ثم ذكر بعده كونه سلاماً، وهو الذي سلم عباده من ظلمه وجوره، ثم ذكر بعده كونه مؤمناً، وهو الذي يؤمن عبيده عن جوره وظلمه، فثبت أن كونه ملكاً لا يتم إلا مع كمال الرحمة. وثالثها : قوله تعالى :"الملك يومئذ الحق للرحمن " [الفرقان : ٢٦] لما أثبت لنفسه الملك أردفه بأن وصف نفسه بكونه رحماناً، يعني إن كان ثبوت الملك له في ذلك اليوم يدل على كمال القهر، فكونه رحماناً يدل على زوال الخوف وحصول الرحمة.
أنه لما وصف نفسه بكونه ملكاً ليوم الدين أظهر للعالمين كمال عدله فقال "وما ربك بظلام للعبيد " [فصلت : ٤٦] ثم بين كيفية العدل فقال :"ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً" [الأنبياء : ٤٧] فظهر بهذا أن كونه ملكاً حقاً ليوم الدين إنما يظهر بسبب العدل، فإن كان الملك المجازي عادلاً كان ملكاً حقاً وإلا كان ملكاً باطلاً، فإن كان ملكاً عادلاً حقاً حصل من بركة عدله الخير والراحة في العالم وإن كان ملكاً ظالماً ارتفع الخير من العالم.
قراءة المالك أرجى من قراءة الملك، لأن أقصى ما يرجى من الملك العدل والإنصاف وأن ينج والإنسان منه رأساً برأس، أما المالك فالعبد يطلب منه الكسوة والطعام والرحمة والتربية فكأنه تعالى يقول : أنا مالككم فعلي طعامكم وثيابكم وثوابكم وجنتكم.


الصفحة التالية
Icon