فإن قيل : فما معنى النون في قوله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين" فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولاسيما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير، ومنهم من قال : يجوز أن تكون للتعظيم كأن العبد قيل له : إن كنت داخل العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل :"إياك نعبد وإياك نستعين" وإن كنت خارج العبادة فلا تقل نحن ولا فعلنا ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لاحتياج الجميع إلى الله - تعالى - وفقرهم إليه، ومنهم من قال [إياك نعبد] ألطف في التواضع من إياك أعبد لما في الثاني من تعظيمه نفسه وحده أهلاً لعبادة الله - تعالى - الذي لا يستطيع أحداً أن يعبده حق عبادته ولا يثني عليه كما يليق به.
والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه به إلى جناب الله تعالى(١). أ هـ
وقال الإمام الفخر الرازي - رحمه الله - بعد أن أجاب عن هذا السؤال (٢) :"فإن قال قائل : جميع ما ذكر تم قائم في قوله :"الحمد لله" مع أنه قدم فيه ذكر الحمد على ذكر الله ؟
فالجواب : أن قوله الحمد يحتمل أن يكون لله ولغير الله فإذا قلت لله فقد تقيد الحمد بأن يكون لله أما لو قدم قوله [نعبد] احتمل أن يكون لله واحتمل أن يكون لغير الله وذلك كفر، والنكتة أن الحمد لما جاز لغير الله في ظاهر الأمر كما جاز لله، فلا جرم حسن تقدم الحمد أما ها هنا فالعبادة لما لم تجز لغير الله لا جرم قدم قوله "إياك" على نعبد، فتعين الصرف للعبادة فلا يبقى في الكلام احتمال أن تقع العبادة لغير الله. أ هـ. فإن قيل : لم أطلقت الاستعانة ؟ أجيب بأنها إنما أطلقت لأجل أنها تتناول المعرفة في المهمات كلها أو في أداء العبادات (٣). أ هـ

(١) ابن كثير حـ١ ص٣٥
(٢) التفسير الكبير حـ١ ص٢١٢
(٣) تفسير السراج المنير حـ١ ص١١


الصفحة التالية
Icon