قوله تعالى ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
فلما أجابها عما شغل قلبها من العجب فتفرغ الفهم أخذ في إكمال المقال بقوله عطفاً علي ﴿ويكلم الناس﴾ بالياء كما قبله في قراءة نافع وعاصم، وبالنون في قراءة الباقين نظراً إلى العظمة إظهاراً لعظمة العلم :﴿ويعلمه﴾ أو يكون مستأنفاً فيعطف على ما تقديره : فنخلقه كذلك ونعلمه ﴿الكتاب﴾ أي الكتابة أو جنس الكتاب فيشمل ذلك معرفة الكتاب وحفظه وفهمه وغير ذلك من أمره ﴿والحكمة﴾ أي العلوم الإلهية لتفيده تهذيب الأخلاق فيفيض عليه قول الحق وفعله على أحكم الوجوه بحيث لا يقدر أحد على نقض شيء مما يبرمه.
ولما وصفه بالعلوم النظرية والعملية فصار متأهلاً لأسرار الكتب الإلهية قال :﴿والتوراة﴾ أي التي تعرفينها ﴿والإنجيل﴾ بإنزاله عليه تالياً لهما، وتأخيره في الذكر الشرط فيقتضي اتصاف كل مقضي بهذه الأوصاف كلها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٩٠﴾

فصل


قال ابن عادل :
قوله :﴿ وَيُعَلِّمُهُ الكتاب ﴾ قرأ نافع وعاصم ويعقوب ﴿ وَيُعَلِّمُهُ ﴾ - بياء الغيبة - والباقون بنون المتكلم المعظم نفسه، وعلى كلتا القراءتين ففي محل هذه الجملة أوجهٌ :
أحدها : أنها معطوفة على " يُبَشِّرُكِ " أي : أن الله يبشركِ بكلمةٍ ويعلم ذلك المولود المُعَبَّر عنه بالكلمة.
الثاني : أنها معطوفة على " يَخْلُقُ " أي : كذلك الله يخلق ما يشاء ويعلمه. وإلى هذين الوجهين، ذهب جماعة منهم الزمخشريُّ وأبو علي الفارسيّ، وهذان الوجهان ظاهران على قراءة الياء، وأما قراءة النون، فلا يظهر هذان الوجهان عليها إلا بتأويل الالتفات من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم، إيذاناً بالفخامة والتعظيم.


الصفحة التالية
Icon