وأما القائلون بقدم العين فهم يقولون الكلام لا يتعلق بمشيئته وقدرته لاعتقادهم أنه لا تحله الحوادث وما كان بمشيئته وقدرته لا يكون إلا حادثا
ولهم قولان منهم قال القديم معنى واحد أو خمسة معان وذلك المعنى يكون أمرا ونهيا وخبرا وهذه صفات له لا أقسام له وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة
ومنهم من قال هو حروف أو حروف وأصوات قديمة الأعيان
والقول الثالث : إنه متكلم بمشيئته وقدرته كلاما قائما بذاته قالوا وهو حادث ويمتنع أن يكون قديما لامتناع كون المقدور
المراد قديما وهذه الطوائف بنوا أقوالهم على أن ما لم يخل عن الحوادث فهو حادث لامتناع وجود ما لا نهاية له عندهم وإذا امتنع ذلك تعين أن يكون لنوع الحوادث ابتداء كما للحادث المعنى ابتداء ولم يسبق الحوادث كان معه أو بعده فيكون حادثا فلهذا منع هؤلاء أن تكون كلمات الله لا نهاية لها في الأزل وإن كان من هؤلاء من يقول بدوام وجودها في الأبد
وأما القول بأن كلمات الله لا نهاية لها مع أنها قائمة بذاته فهو القول المأثور عن أئمة السلف وهو قول أكثر أهل الحديث وكثير من أهل الكلام ومن الفلاسفة وهذه الأقوال قد بسط الكلام عليها في غير موضع
والمقصود هنا أن قول النصارى باطل على كل قول من هذه الأقوال الأربعة كما تقدم بيان بطلانه على ذينك القولين فإنه على قول الجمهور الذين يجعلون لله كلمات كثيرة إما كلمات لا نهاية لها ولم تزل وإما كلمات لها ابتداء وإذا كان له كلمات كثيرة فالمسيح ليس هو الكلمات التي لا نهاية لها وليس هو كلمات كثيرة بل إنما خلق بكلمة من كلمات الله كما في الكتب الإلهية القرآن والتوراة إنه يخلق الأشياء بكلماته
قال تعالى في قصة بشارة مريم بالمسيح
﴿قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون﴾
وقال أيضا
﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾