وكذلك قال عيسى لما سألوه عن رؤية الله فقال إن الله لم يره أحد قط وهذا معروف عندهم وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون الحجاب الحاجب للبشر ليس هو من البشر وهذا يبطل قول النصارى فإنهم يقولون إن الرب احتجب بحجاب بشري وهو الجسد الذي ولدته مريم فاتخذه حجابا وكلم الناس من ورائه والقرآن يدل على أن الحجاب ليس من البشر
يبين هذا الوجه الرابع وهو أن ذلك الجسد الذي ولدته مريم هو من جنس أجسام بني آدم فإن جاز أن يتحد به ويحل فيه ويطيق الجسد البشري ذلك في الدنيا بما يجعله الله فيه من القوة جاز أن يتحد بغيره من الأجسام بما يجعله فيها من القوة وإذا جاز أن يتحد بها جاز أن يكلمها بغير حجاب بينه وبينها بطريق الأولى والأحرى وهذا خلاف ما ذكروه وخلاف القرآن
فتبين أن نفي الأنبياء لأن يراه المرء في الدنيا هو نفي لمماسته ببشر بطريق الأولى والأحرى والناسوت المسيحي هو بشر فإذا لم يمكنه أن يرى الله فكيف يمكنه أن يتحد به ويماسه ويصير هو وإياه كاللبن والماء والنار والحديد أو كالروح والبدن
الوجه الخامس : أنه من المعلوم أن رؤية الآدمي له أيسر من
اتحاده به وحلوله فيه وأولى بالإمكان فإذا كانت الرؤية في الدنيا قد نفاها الله ومنعها على ألسن رسله موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه فكيف يجوز اتصاله بالبشر واتحاده به
الوجه السادس أنه لو كان حلوله في البشر مما هو ممكن وواقع لم يكن لاختصاص واحد من البشر بذلك دون من قبله وبعده معنى فإن القدرة شاملة والمقتضى وهو وجود الله وحاجة الخلق موجودة ولهذا لما كانت الرسالة ممكنة أرسل من البشر غير واحد ولما كان سماع كلامه للبشر ممكنا سمع كلامه غير واحد ورؤيته في الدنيا بالأبصار لم تقع لأحد باتفاق علماء المسلمين لكن لهم في النبي قولان والذي عليه أكابر العلماء وجمهورهم أنه لم يره بعينه كما دل على ذلك الكتاب والسنة