الوجه الخامس عشر : أن يقال لهم إذا كان الله لم يخاطب بشرا إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء فتكليمه للبشر بالوحي ومن وراء حجاب كما كلم موسى وبإرسال ملك كما أرسل الملائكة إما أن يكون كافيا في حصول مراد الرب من الرسالة إلى عباده أو ليس كافيا بل لا بد من حلوله نفسه في بشر فإن كان ذلك كافيا أمكن أن يكون المسيح مثل غيره فيوحي الله إليه أو يرسل إليه ملكا فيوحي بإذن الله ما يشاء أو يكلمه من وراء حجاب كما كلم
موسى وحينئذ فلا حاجة به إلى اتحاده ببشر مخلوق وإن كان التكلم ليس كافيا وجب أن يتحد بسائر الأنبياء كما اتحد بالمسيح فيتحد بنوح وإبراهيم وموسى وداود وغيرهم يبين هذا
الوجه السادس عشر : وهو أنه من المعلوم أن الأنبياء الذين كانوا قبل المسيح أفضل من عوام النصارى الذين كانوا بعد المسيح وأفضل من اليهود الذين كذبوا المسيح فإذا كان الرب قد يفضل باتحاده في المسيح حتى كلم عباده بنفسه فيتحد بالمسيح محتجبا ببدنه الكثيف وكلم بنفسه اليهود المكذبين للمسيح وعوام النصارى وسائر من كلمه المسيح فكان أن يكلم من هم أفضل من هؤلاء من الأنبياء والصالحين بنفسه أولى وأحرى مثل أن يتحد بإبراهيم الخليل فيكلم إسحاق ويعقوب ولوطا محتجبا ببدن الخليل أو يتحد بيعقوب فيكلم أولاده أو غيرهم محتجبا ببدن يعقوب أو يتحد بموسى بن عمران فيكلم هارون ويوشع بن نون وغيرهما محتجبا ببدن موسى فإذا كان هو سبحانه لم يفعل ذلك إما لامتناع ذلك وإما لأن عزته وحكمته اعلى من ذلك مع عدم الحاجة إلى ذلك علم أنه لا يفعل ذلك في المسيح بطريق الأولى والأحرى
الوجه السابع عشر : أنه إذا أمكنه أن يتحد ببشر فاتحاده بملك من الملائكة أولى وأحرى وحينئذ فقد كان اتحاده بجبريل الذي أرسله إلى الأنبياء أولى من اتحاده ببشر يخاطب اليهود وعوام النصارى. أ هـ ﴿ الجواب الصحيح حـ ٣ صـ ٢٩٩ ـ ٣٢٤﴾