وقال بعضهم : تمام الثلاثة قوله :﴿وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت﴾ وتقدير الكلام : مقام إبراهيم، وأن من دخله كان آمناً، وأن لله على الناس حَجَّ البيت، ثم حذف " أن " اختصاراً، كما في قوله :﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط﴾ [ الأعراف : ٢٩ ] أي : أمر ربي أن اقسطوا.
الثاني : أن ﴿مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ وإن كان مفرداً لفظاً إلا أنه يشتمل على آياتٍ كثيرةٍ، بمعنيين :
أحدهما : أن أثر القدمين في الصخرة الصَّمَّاء آية، وغَوصَهما فيها إلى الكعبين آية أخْرَى ؛ وبعض الصخرة دون بعض آيةٌ، وإبقاؤه على مر الزمان، وحفظه من الأعداء الكثيرة آية، واستمراره دون آيات سائر الأنبياء خلا نبينا صلى الله عليه وعلى سائرهم آية، قال معناه الزمخشري.
وثانيهما : أن ﴿مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ بمنزلة آيات كثيرة ؛ لأن كل ما كان معجزةً لنبيٍ فهو دليل على وجود الصانع وعلمه وقدرته وإرادته وحياته، وكونه غنيًّا مُنَزَّهاً، مقدَّساً عن مشابهة المحدثات، فمقام إبراهيم وإن كان شيئاً واحداً إلا أنه لما حصل فيه هذه الوجوه الكثيرة كان بمنزلة الآيات، كقوله تعالى :﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً﴾ [ النحل : ١٢٠ ]، قاله ابنُ الخطيب.
الثالث : أن يكون هذا من باب الطَّيّ، وهو أن يُذْكَرَ جَمْعٌ، ثم يُؤتَى ببعضه، ويُسْكَت عن ذِكْر باقيه لغرض للمتكلم، ويُسَمَّى طَيًّا.
وأنشد الزمخشري عليه قول جرير :[ البسيط ]
كَانَتْ حَنِيفَةُ أثْلاَثاً فَثُلْثُهُمُ... مِنَ الْعَبِيدِ، وَثُلْثٌ مِنْ مَوَالِيهَا