وقال الفخر :
﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً﴾ ولهذه الآية نظائر : منها قوله تعالى :﴿وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْناً﴾ [ البقرة : ١٢٥ ] وقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءَامِناً﴾ [ العنكبوت : ٦٧ ] وقال إبراهيم ﴿رَبِّ اجعل هذا بَلَدًا آمِنًا﴾ [ إبراهيم : ٣٥ ] وقال تعالى :﴿أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مّنْ خوف﴾ [ قريش : ٤ ] قال أبو بكر الرازي : لما كانت الآيات المذكورة عقيب قوله ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ موجودة في الحرم ثم قال :﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً﴾ وجب أن يكون مراده جميع الحرم، وأجمعوا على أنه لو قتل في الحرم فإنه يستوفي القصاص منه في الحرم وأجمعوا على أن الحرم لا يفيد الأمان فيما سوى النفس، إنما الخلاف فيما إذا وجب القصاص عليه خارج الحرم فالتجأ إلى الحرم فهل يستوفي منه القصاص في الحرم ؟ قال الشافعي : يستوفي، وقال أبو حنيفة : لا يستوفي، بل يمنع منه الطعام والشراب والبيع والشراء والكلام حتى يخرج، ثم يستوفي منه القصاص، والكلام في هذه المسألة قد تقدم في تفسير قوله ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْناً﴾ واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بهذه الآية، فقال : ظاهر الآية الإخبار عن كونه آمناً، ولكن لا يمكن حمله عليه إذ قد لا يصير آمناً فيقع الخلف في الخبر، فوجب حمله على الأمر ترك العمل به في الجنايات التي دون النفس، لأن الضرر فيها أخف من الضرر في القتل، وفيما إذا وجب عليه القصاص لجناية أتى بها في الحرم، لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم، فيبقى في محل الخلاف على مقتضى ظاهر الآية.
والجواب : أن قوله ﴿كَانَ ءَامِناً﴾ إثبات لمسمى الأمن، ويكفي في العمل به إثبات الأمن من بعض الوجوه، ونحن نقول به وبيانه من وجوه