وبيان وجه التعليل أن هذا البيت لما كان أول بيت وضع للهدى وإعلان توحيد الله ليكون علما مشهودا بالحس على معنى الوحدانية ونفي الإشراك، فقد كان جامعا لدلائل الحنيفية، فاذا ثبت له شرف الأولية ودوام الحرمة على ممر العصور، دون غيره من الهياكل الدينية التي نشأت بعده، وهو ماثل، كان ذلك دلالة إلهية على أنه بمحل العناية من الله تعالى، فدل على أن الدين الذي قارن إقامته هو الدين المراد لله، وهذا يؤول إلى معنى قوله :﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ﴾ [آل عمران : ١٩].
وهذا التعليل خطابي جار على طريقة اللزوم العرفي.
وقال الواحدي، عن مجاهد : تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة.
وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل.
فأنزل الله هذه الآية.
و ﴿أول﴾ اسم للسابق في فعل ما فإذا أضيف إلى اسم جنس فهو السابق من جنس ذلك المضاف إليه في الشأن المتحدث عنه.
والبيت بناء يأوي واحدا أو جماعة، فيكون بيت سكنى، وبيت صلاة، وبيت ندوة، ويكون مبنيا من حجر أو من أثواب نسيج شعر أو صوف، ويكون من أدم فيسمى قبة قال تعالى :﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً﴾ [النحل : ٨١].
ومعنى ﴿وضع﴾ أسس وأثبت، ومنه سمي المكان موضعا، وأصل الوضع أنه الحط ضد الرفع، ولما كان الشيء المرفوع لمعنى الإدناء للمتناول، والتهيئة للانتفاع.
والناس تقدم في قوله تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ في سورة البقرة [٨].
و ﴿بكة﴾ اسم مكة.