كلام نفيس للعلامة الآلوسى فى هذا الموضع
قال عليه الرحمة :
والحق عندي في هذه المسألة أن شرط التكليف هو القوة التي تصير مؤثرة بإذن الله تعالى عند انضمام الإرادة التابعة لإرادة الله تعالى لقوله سبحانه :﴿لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] وإيضاحه أنه تعالى كما أنه غني بالذات عن العالمين كذلك حكيم جواد وكما أن غناه الذاتي أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد كذلك مقتضى جوده ورحمته مراعاة ما اقتضته حكمته سبحانه كما أشار إليه العضد في "عيون الجواهر"، وأطال الكلام فيه أبو عبد الله الدمشقي في "شفاء العليل". ومن المعلوم أن الحكمة لا تقتضي أن يؤمر بالفعل من لا يقدر على الامتثال وينهى عنه من لا يقدر على الاجتناب فلا بد بمقتضى الحكمة التي رعاها سبحانه فيما خلق وأمر فضلاً ورحمة أن يكون التكليف بحسب الوسع وإذا كان كذلك كان شرط التكليف هو القوة التي تصير مؤثرة إذا انضم إليها الإرادة وهذه قبل الفعل، والقدرة التي هي مع الفعل هي القدرة المستجمعة لشرائط التأثير التي من جملتها انضمام الإرادة إليها، وبهذا جمع الإمام الرازي كما في "المواقف بين مذهب الأشعري القائل بأن القدرة مع الفعل، والمعتزلة القائلين بأنها قبله، وقال : لعل الأشعري أراد بالقدرة القوة المستجمعة لشرائط التأثير فلذلك حكم بأنها مع الفعل وأنها لا تتعلق بالضدين، والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرد القوة العضلية فلذلك قالوا بوجودها قبل الفعل وتعلقها بالأمور المتضادة وهو جمع صحيح، وقول السيد قدس سره في توجيه البحث الذي ذكره صاحب "المواقف" فيه بأن القدرة الحادثة ليست مؤثرة عند الشيخ فكيف يصح أن يقال : إنه أراد بالقدرة والقوة المستجمعة لشرائط التأثير مدفوع بما تبين في "الإبانة" التي هي آخر مصنفاته.


الصفحة التالية
Icon