والفرق أنه يلزم هنا تقديم الحال على العامل المعنوي، والحال لا يتقدم على العامل المعنوي - بخلاف الظرف وحرف الجر، فإنهما يتقدمان على عاملهما المعنوي ؛ للاتساع فيهما، وقد تقدم أن الشيخ جمال الدين بن مالك، يجوز تقديمها على العامل المعنوي - إذا كانت هي ظرفاً، أو حرف جر، والعامل كذلك، ومسألتنا في الآية الكريمة من هذا القبيل. وقد جيء في هذه الآيات بمبالغاتٍ كثيرة.
منها قوله :﴿وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت﴾ يعني : أنه حق واجب عليهم لله في رقابهم، لا ينفكون عن أدائه والخروج عن عُهدته.
ومنها : أنه ذكر " النَّاسَ "، ثم أبدل منهم ﴿مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، وفيه ضربان من التأكيد.
أحدهما : أن الإبدال تثنية المراد وتكرير له.
والثاني : أن التفصيل بعد الإجمال، والإيضاح بعد الإبهام، إيراد له في صورتين مختلفتين، قاله الزمخشري، على عادة فصاحته، وتلخيصه المعنى بأقرب لفظ، والألف واللام في " البَيْتِ " للعهد ؛ لتقدم ذكره، وهو أعلم بالغلبة كالثريا والصعيد. فإذا قيل : زار البيتَ، لم يَتَبَادر الذهن إلا إلى الكعبة شرفها الله.
وقال الشاعر :[ الطويل ]
لَعَمْرِي لأنْتَ الْبَيْتُ أكْرِمُ أهْلَهُ... وَأقْعُدُ فِي أفْيَائِهِ بِالأصَائِلِ
أنشد هذا البيت أبو حيان في هذا المعرض.
قال شهابُ الدين :" وفيه نظر، إذْ ليس في الظاهر الكعبة ".
الضمير في :" إلَيْهِ " الظاهر عوده على الحَجِّ ؛ لأنه محدَّث عنه.
قال الفراء : إن نويت الاستئناف بـ " مَنْ " كانت شرطاً، وأسقط الْجَزاء لدلالة ما قبله عليه، والتقدير : من استطاع إلى الحج سبيلاً، فللَّه عليه حجُّ البيت.
وقيل : يعود على " الْبَيْتِ "، و" إلَيْهِ " متعلق بـ " اسْتَطَاعَ "، و" سَبِيلاً " مفعول به ؛ لأن استطاع متعدٍّ، ومنه قوله تعالى :﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾ [ الأعراف : ١٩٧ ]، إلى غير ذلك من الآيات. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٥ صـ ٤١٣ ـ ٤١٥﴾


الصفحة التالية
Icon