وقال الآلوسى :
﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين﴾ يحتمل أن يراد بمن كفر من لم يحج وعبر عن ترك الحج بالكفر تغليظاً وتشديداً على تاركه كما وقع مثل ذلك فيما أخرجه سعيد بن منصور وأحمد وغيرهما عن أبي أمامة من قوله ﷺ :" من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حالة شاء يهودياً أو نصرانياً " ومثله ما روي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فلينظروا كل من كان له جدة فلم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، ويحتمل إبقاء الكفر على ظاهره بناءاً على ما أخرج ابن جرير وعبد بن حميد وغيرهما عن عكرمة "أنه لما نزلت ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا﴾ [ آل عمران : ٨٥ ] الآية قال اليهود : فنحن مسلمون فقال لهم النبي ﷺ : إن الله تعالى فرض على المسلمين حج البيت فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا فنزل ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ " الآية. ومن طريق الضحاك أنه لما نزلت آية الحج جمع رسول الله ﷺ أهل الملل مشركي العرب والنصارى واليهود والمجوس والصابئين فقال : إن الله تعالى قد فرض عليكم الحج فحجوا البيت فلم يقبله إلا المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا : لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نستقبله فأنزل الله سبحانه ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ الخ وإلى إبقائه على ظاهره ذهب ابن عباس، فقد أخرج البيهقي عنه أنه قال في الآية :﴿وَمَن كَفَرَ﴾ بالحج فلم ير حجه براً ولا تركه مأثماً، وروى ابن جرير أن الآية لما نزلت قام رجل من هذيل فقال : يا رسول الله من تركه كفر ؟ قال :" من تركه لا يخاف عقوبته ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك "، وعلى كلا الاحتمالين لا تصلح الآية


الصفحة التالية
Icon